تعليم اللغة العربية للصغار
قابلت صديقة ومعها ابنتها ابنة الثالثة، وأذهلني أنها تتحدث معها باللغة الإنجليزية تتخللها بعض الكلمات العربية، فلمتها على ذلك بشدة وأخبرتها بأن ذلك يراه العلماء تشويهًا لمخ الطفل لأنه يربك الدوائر العصبية في مخه، والتي بها تتم العمليات العقلية التي تمكن الإنسان من قول ما يقول.
وما تمارسينه معها يضعف وظائفها العقلية كما أثبتت الدراسات. ونصحتها بتعليم ابنتها اللغة العربية أولًا باعتبارها لغتنا الأم وستكون الأساس الذي ينبني عليه شتى لغات العالم لو كان في طاقتها تعلمها. ردت علىّ صديقتي بثقة مستفزة: "أنا بأعلمها إنجليزي لأنها كدة كدة حتعرف عربي". سكتُ لأنه لا يسعني سوى السكوت أمام من يتحدث بثقة مبنية على هوى يجتاح قطاعًا عريضًا من الآباء والأمهات نتيجة إغواء تجار التعليم في بلادنا العربية وعملاء اللغة الأجنبية الذين زرعوا فيهم أن استبدال اللغة الإنجليزية بالعربية سيضمن لأولادهم مستقبلًا مبهرًا. لكنني فوجئت، بالمصادفة، بعد أقل من عامين أن هذه الطفلة المسكينة تتلقى جلسات في التخاطب لأنها تعاني من تأخر في الكلام بعدما كانت تتحدث بطلاقة! فأوجعني ما ساء الطفلة إلى حد البكاء عندما احتضنتها.
وددت الابتداء بهذه الحادثة قبل التحدث عن ضرورة تعليم أولادنا الصغار العربية لغتنا الأم ما دامت أنظمة التعليم في الدول العربية تتهاون في تعليمها على نحو لا يخلو من افتراض سوء النية. فلا بد للآباء والأمهات الحريصين على سلامة عقول أولادهم أن يساعدهم في تعلم اللغة العربية لغتهم الأم على نحوٍ سليم كما أثبت العلم فضلًا عن موافقتهم هويتهم، فكيف نكون من العرب ولساننا أعجمي؟!
الاهتمام بتحفيظ الطفل الصغير القرآن فهو أنجع طريقة لإصلاح لسان الطفل لو أن به اعوجاجًا أو تلعثمًا أو لثغةً
وأرى أن ذلك يتأتى من خلال:
أولًا: الإقرار بأن تعليم الأطفال خاصة اللغة العربية تقع تبعته على الآباء والأمهات هذه الأيام مع الأسف، فإذا أغفلت الدولة مستقبلها فمن المفترض أن يتولى الآباء والأمهات مسئولية تعليم أولادهم لو أنهم كانوا واعين.
ثانيًا: الاهتمام بتحفيظ الطفل الصغير القرآن فهو أنجع طريقة لإصلاح لسان الطفل لو أن به اعوجاجًا أو تلعثمًا أو لثغةً. فضلًا عن أن عدد كلمات القرآن الكريم 77439كلمة جديرة بـــ "تكبير" مخه إذا سمعها، فسماع الطفل الكلمات من أكبر محفزات المخ للقيام بوظائفه على أكمل وجه.
ثالثًا: البحث عن معلم لغة عربية قدير يعلّمه العربية على نحوٍ سليم يُحببه في لغته الأم التي ستزيد من قدراته العقلية وبها سيتحسن مستواه في سائر المواد الدراسية. لذلك أنصح الآباء بألا يغالوا في اختيار المدرسة الخاصة، ويوفروا المال لمعلمين أكفاء يؤمنون بأن "المعلم كاد أن يكون رسولا". فانتشار التعليم الخاص من أكبر علامات تفريط الدولة في أمنها القومي ألا وهو الاستثمار في أبنائها.
رابعًا: وجوب الاستماع إلى برامج تعزز اللغة العربية عند الآباء والأمهات لتحسين مستواهم في اللغة ومن ثم مشاركة أولادهم الاهتمام بها.
خامسًا: انتقاد الآباء لكل ما يسيء للغة العربية أو يشوهها بدءاً باستخدام "الفرانكو آراب" (كتابة العربية بحروف وأرقام لاتينية)، مرورًا بمذيعي البرامج أو المواد الدرامية التي يُقال فيها كلام "محسوب" على العربية لكنه لا يحمل معنى مع الأسف. ووصولًا إلى أسماء المحلات المكتوبة بكلمات أو حروف لاتينية، وتأكيدُ أن هذا فعل مشين يشعرنا بأننا أجانب في بلدنا.
وأخيرًا، أود أن أقول للآباء والأمهات إن الاستثمار في الأبناء هو أنجح استثمار، ولا يقتصر الاستثمار على الإنفاق، لكنه ينسحب على مشاركتهم شئونهم، خاصة التعليم، وألا يبخلوا عليهم بأوقاتهم والصبر عليهم حتى يتلمسوا الطريق القويم ويعتمدوا على أنفسهم وعندها سيشعر الآباء براحة الضمير عند أداء واجباتهم تجاه أولادهم في الوقت المناسب قبل فوات الأوان واستحالة القدرة على التأثير فيهم وقت أن لن ينفع ندمٌ.