رزقك يسعى إليك!
وأنا جالسة على مكتبي أمام بلكونة حجرتي المفتوحة، هبّت رياح ما فسحبتْ أحد البالونات المنفوخة، التي حفظها أولاد إخوتي في حجرتي إلى البلكونة، الأمر الذي شدّ انتباهي، وما إن اشتدت الرياح حتى ارتفع البالون شيئًا فشيئا، حتى خرج من حيّز البلكونة، فنهضت من مكاني لأتعقب مصير البالون، فإذا بطفلٍ صغير بالشارع يتلقاه بفرحٍ وسرور، نقلتهما عيناه إليّ لمّا تواصلت أعيننا وأنا فوقه، ففرحت لفرحه وسررت بسروره، وتيّقنت من قول النبي صلى الله عليه وسلم: " لَوْ أَنَّ ابْنَ آدَمَ هَرَبَ مِنْ رِزْقِهِ كَمَا يَهَرَبُ مِنَ الْمَوْتِ، لَأَدْرَكَهُ رِزْقُهُ كَمَا يُدْرِكُهُ الْمَوْتُ".
العرفان الفطري
دائمًا ما تراقب ابنة أختي "منى" البالغة من العمر خمس سنوات، درجة شحن جهاز الآيباد المُحبّب إليها لتخبرني بها، ومن ثم أُعلِمُها ما إذا كانت تتيح لها الاستمتاع به، فأخبرتني عندما وصل إلى ثمانية بالمئة ثم تسعة بالمئة، ولأنها لم تدرس سوى أرقام الآحاد كانت تخبرني عندما تصل إلى 35% مثلًا أنه أصبح خمسة وثلاثة. فقلت لها هذا الرقم يُنطق خمسة وثلاثين، والذي يليه ستة وثلاثين، ولما وصلت الدرجة إلى 38% أخبرتني أنها وصلت إلى ثمانية وثلاثين، ففرحت وهلَّلت لها بنطقها الرقم على نحوٍ سليم وقلت لها في حماسة ظاهرة: "برافو عليك برافو!". فردّت بمنتهى التلقائية، وبنبرة لا تخلو من استغراب لحماستي: "أنا معملتيش حاجة، أنت أصلًا اللي علمتيني!".
عقلَ الطفلِ مذهلٌ في إدراكه إذا أسعفه المجاورون له بالتحدّث إليه وتعريضه للمزيد والمزيد من الكلمات التي تُعتبر وقود ذكائه وإدراكه
لكن على الرغم من عرفان الصغيرة الفطري لمن علمها، فإنها لا تدرك مدى سعادة المعلم عندما يتقدّم على تلميذه.
عقول الأطفال مذهلة لو تعلمون!
دائمًا ما يتعجّبُ الكثيرون من أقاربي عندما أتحدثُ إلى الطفلِ من عمر يومٍ وكأنه شخصٌ بالغٌ عاقلٌ، فأحاول التوضيح لهم أنّ عقلَ الطفلِ مذهلٌ في إدراكه إذا أسعفه المجاورون له بالتحدّث إليه وتعريضه للمزيد والمزيد من الكلمات التي تُعتبر وقود ذكائه وإدراكه، فلا أجدُ منهم سوى الاستغرابِ، سواء مما أقول أو مما يقول الطفل عند ردود فعله، وهذا ما حدث مع ابنة أخي التي لم تُكمل عامين ونصف العام، فدائمًا ما أردّد عليها عبارة: "عالية دي إنسانة محترمة، بتفكر قبل ما تتكلم"، فأسعد عندما أقول نصف العبارة وتُكمل هي النصف الآخر؛ لكن سعادتي كانت أكبر عندما سألتها عن ألوان ملابسها، التي هي في الواقع بنطلون أحمر وبلوزة بيضاء، فتردّ عليّ حين سألتها عن لون البنطلون، فقالت: أحمر، أما عن البلوزة فقالت: "بني"، فقلت لها: "لا.. أبيض"، فأدهشتني بردّها: "ما فكرتش قبل ما أتكلم!".