تكتيكات حركة طالبان الرقمية.. هل نجحت؟
بعد 20 عامًا من الحرب، تعود حركة "طالبان" لتسيطر مرة أخرى على أفغانستان، وهي الحركة الإسلامية التي تعود نشأتها إلى طلبة المدارس الدينية في ولاية قندهار (جنوب غربي أفغانستان) على الحدود مع باكستان عام 1994.
إبان سيطرة الحركة على البلاد في التسعينيات، قامت بحظر الإنترنت لحجب ما يجري في الداخل وعزل أفغانستان عن الفضاء الرقمي. أما الآن، وبعد سيطرتها مُجدّداً على الحكم، فقد ذهبت في استراتيجية جديدة من "استغلال التكنولوجيا في بناء القوة"، حيث حولت حركة "طالبان" اليوم منصّات التواصل الاجتماعي إلى أداة قوية لترويض المعارضين لحكمها وبثّ رسائلها لإقناع الجمهور بها. ومن خلال سيطرتها على مرافق الدولة، تستخدم "طالبان" الآلاف من حسابات "تويتر" و"فيسبوك"، بعضها رسمي، وبعضها الآخر مجهول الهوية، لاسترضاء الحشود والترويج لحكم "طالبان" الجديد، كما أنشأت جهازًا لوسائل التواصل الاجتماعي لتضخيم رسالتها.
خلال حكمها السابق، لم تكن مواقع مثل "تويتر" و"فيسبوك" و"يوتيوب" موجودة، ولم يكن سوى 0.01% من السكان، يمكنهم الوصول إلى الإنترنت، أمّا بحلول العام 2021، فأصبح هناك حوالي 4.40 ملايين مستخدم لوسائل التواصل الاجتماعي، ولذا وجدت الحركة في مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، أرضاً خصبة ووسيلة مُثمرة لنشر سياساتها وأفكارها وتلميع صورتها وتحديث نسختها. ومنذ سيطرتها على أفغانستان بدأت الحركة حملة واسعة على وسائل التواصل الاجتماعي.
خلال تمردها المستمر قبيل إعادة سيطرتها على أفغانستان خلال شهر أغسطس/آب 2021، وظّفت الجماعة منصات إعلامية للترويج لرسالة العودة إلى الحياة الطبيعية داخل أفغانستان، ولتصوير نفسها على أنها هيئة حاكمة جديدة ومحسّنة مقارنة بإدارة "طالبان" العنيفة قبل عقدين من الزمن.
وكغيرها من مشغلي الحملات الإعلامية المتطوّرة، تمتلك "طالبان" وأنصارها العديد من الحسابات المرتبطة ضمن مختلف المنصات، إذ حرصت على لفت الانتباه حول مناقشاتها مع الحكومات في جميع أنحاء العالم (على سبيل المثال في بكين وموسكو)، في محاولة لتصوير نفسها ككيان قيادي يصلح لإدارة البلاد ونيل رضى الجمهور العالمي، علماً أنّ التواصل الجديد مع "طالبان"، فتح المجال وأثار انتقادات واسعة على الصعيد الدولي. ومع ذلك حرصت الحركة على إيصال رسائل تؤكد الرغبة في السلام والوحدة وتقديم نموذج جديد للحكم مختلف عن السابق.
حولت حركة "طالبان" منصّات التواصل الاجتماعي إلى أداة قوية لترويض المعارضين لحكمها وبثّ رسائلها لإقناع الجمهور بها
واجهت الحركة محظور الحجب الذي فرضه القانون الأميركي، كون الحركة صُنّفت إرهابية، فتعرّضت للحظر من قبل عملاق وسائل التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، كما اتبعت كلّ من "تويتر" و"يوتيوب" قواعد مماثلة، على الرغم من أنّ "تويتر" لا يفرض حظراً مسبقاً على الحسابات التابعة لحركة "طالبان"، إلا إذا نشرت هذه الحسابات محتوى ينتهك قواعد الموقع المتعلقة بنبذ العنف والتلاعب بالمحتوى.
وللتغلب على حظر منصاتها الرقمية، ذهبت الحركة إلى سلسة من التكتيكات، منها استخدام مواقع بديلة مثل streamyard لبثّ الفيديو بدلاً من يوتيوب، وكذلك التراسل عبر "تليغرام"، فضلاً عن استخدام موقع Just paste it وتطبيق "تليغرام" لمشاركة النصوص الطويلة التي يصعب نشرها على "تويتر"، ولا يمكن الاكتفاء بوضعها على المواقع الإلكترونية للحركة التي يصعب الوصول إليها، فضلاً عن التحايل بإنشاء صفحات حديثة على "فيسبوك" لا تعلن انتماءها الصريح لـ"طالبان"، وتنشر محتوى محدوداً يُعاد نشره على "تويتر"، ومشاركة المحتوى من قنوات إخبارية مستقلة على "يوتيوب" مثل "آسيا اليوم" وشبكة "تولو نيوز" الشعبية.
وفي جانب آخر لتوظيف المنصّات الاجتماعية الرقمية، استخدمت "طالبان" تكتيك "استقطاب مؤثري وسائل التواصل الاجتماعي المناصرين لها"، وأبرزهم، قاري سعيد خوستي، والذي لم يكتف بالتغريدات الإخبارية، وإنما نشر تغريدات تساند الحركة باعتبارها ممثلاً للإرادة الوطنية من وجهة نظره. وكانت قد نشرت هيئة الإذاعة البريطانية تقريراً تضمّن تصريحات لخوستي، قال فيها إنه يترأس مجموعة من المغردين وظيفتهم إدارة وسائل التواصل الاجتماعي لـ"طالبان" بالتركيز على "تويتر"، وإن الحركة تدفع ألف أفغاني (11.3 دولارا أميركيا) مقابل حزمة الإنترنت لكلّ عضو بالفريق.
وجدت حركة "طالبان" في مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، أرضاً خصبة ووسيلة مُثمرة لنشر سياساتها وأفكارها وتلميع صورتها وتحديث نسختها
أما على مستوى الدور السياسي، فقد كان المتحدث باسم المكتب السياسي لحركة "طالبان"، سهيل شاهين، الأكثر تفاعلاً بالتعقيب والاقتباس وإعادة التغريد على منصة "تويتر"، وهو ما يتصل مع دوره السياسي كعضو فريق المفاوضات والمتحدث الرسمي لوسائل الإعلام الدولية، فيما عملت حسابات متحدثي الداخل على التغريد بما يشبه عمل وكالات الأنباء المحلية، ليتم تداول ما تنشره عبر الفضاء الرقمي أو تتناقله وسائل الإعلام التقليدية التي تعمل كمكبّرات للأخبار التي تُبث بشكل شبه حصري من الداخل الأفغاني المضطرب.
وفي جانب آخر أيضاً، استخدمت "طالبان" منصات "السوشيال ميديا" للتعبير عن الأحداث من خلال رؤيتها من دون الاضطرار للخضوع لوسائل الإعلام التي طالما اتهمتها بالكذب والتضليل، بدءاً من نشر البيانات، مثل إحصاءات العمليات والقتلى والجرحى، وذهبت الحركة لاستخدام المواد المرئية الحيّة وابتعدت عن التعبيرات الغرافيكية بشكل كبير، نظراً لرغبتها في التأكيد على هدوء الأوضاع وتقديم صورة لأفغانستان المستقرة من وجهة نظرها، وحرصت مراراً على نشر الصور والمقاطع التي تُظهر تقديم المساعدات وتشغيل المدارس وانتظام الشوارع، وتسليم السيارات الموقوفة للمواطنين، وافتتاح مركز لذوي الاحتياجات الخاصة، وغيرها من المواد التفاعلية التي تمنح مصداقية لروايتها. كما عملت الحركة على نشر روايتها لاستقطاب الجماهير أيضاً في تقديم نفسها، كمُكافحة لسياسات الفساد المالي للحكومة السابقة، كما فعلت عندما نشرت مقطع الفيديو الذي يظهر العثور على ملايين الدولارات وسبائك ذهبية في منزل أمر الله صالح، النائب الأول للرئيس السابق أشرف غني.
قد تكون الحركة استفادت من توظيفها لمنصات التواصل الاجتماعي عند عودتها إلى الحكم وتمكنت بذلك من تقديم صورة جديدة لأداء الحركة، ولا يمكن إغفال نجاحها إلى حد ما في هذا السياق في بداية حكمها. ولكن تأثير شبكات التواصل الاجتماعي وسرعة انتشار الخبر وسهولة الاستخدام وصعوبة القدرة على الضبطـ، أعاد للفضاء الرقمي الصورة الأصلية للحركة المُتشدّدة، ففيديو واحد لإساءة معاملة النساء أو حرمان الفتيات من التعليم على سبيل المثال، كان كفيلاً بإعادة رسم الصورة للمتفاعل الرقمي حول الحركة وأدبياتها وسياساتها.