جولة في مشوار الأستاذ علي عبد الخالق (6)
ـ قبل تكرار التجربة مع الأستاذ محمود أبو زيد أخرجت فيلم (السادة المرتشون) اللي اشتركت في كتابته مع السيناريست مصطفى محرم؟
هو (السادة المرتشون) بدأ تصويره على طول بعد عرض فيلم (العار)، يعني دخلت تصويره بعد أسبوع بس من عرض (العار) وفاكر إن منتج الفيلم مجسن علم الدين خدني معاه وهو رايح يمضي مع محمود عبد العزيز، عشان أبقى وسيلة ضغط على محمود في الأجر، لإن الفيلم كان في الأصل من بطولة محمود ياسين ونجوى إبراهيم وسعيد صالح، وكان (العار) في إيراداته فارض نفسه على السوق وكان بيتقال إنه حقق إيرادات أفلام عبد الحليم حافظ في إشارة إلى النجاح الأسطوري لفيلم (أبي فوق الشجرة). والنجاح ده اتكرر في (الكيف) اللي عمل إيرادات فظيعة، يمكن (جري الوحوش) كان أقل الأفلام الثلاثة نجاحاً من الناحية المادية، يعني نقدر نقول نجاح متوسط، ما كانش ـ بلغة السينمائيين ـ في كومبليهات في كل السينمات زي ما حصل في (العار) و(الكيف)، مع إنه معمول كويس جدا وفيه حرفية كتابة عالية جداً، وحاولت ألاقي تفسير لده ما لقيتش.
ـ في (السادة المرتشون) وقبله (العار) وبعد كده (الكيف) و(جري الوحوش) كل الأفلام دي كانت بطولة جماعية لنجوم كبار، كنت بتتعامل إزاي معاهم وهل كانت إدارتهم صعبة ولا سهلة؟
الحقيقة أنا كنت باستغل المنافسة المشروعة والطبيعية اللي بتبقى بين كل النجوم اللي شاركوا في الأفلام دي، كل واحد مش عايز يطلع أقل من زميله، والسيناريو مساعد على ده طبعاً لإنه الأساس، فالمنافسة فنية بشكل جميل وده كان بيخليني كمخرج متوهج فنياً وحريص إني ما أكونش أقل منهم، هما يطلعوا كويسين وأنا كمان لازم أكون متوهج وكويس وسطيهم ومعاهم، وده انعكس على أجواء العمل وكل تفاصيله، يعني أنا فاكر مرة نور الشريف لقيته داخل عليا الاستديو الساعة 10 الصبح وهو أوردر تصويره طالع الساعة 2 الظهر فسألت المساعدة: انتي غلطتي ولا إيه؟ إيه اللي جاب نور بدري؟ قالت لي: لأ والله لا أنا كاتبة له الموعد الساعة 2، فلقيت نور بيقول لي: إيه يا أخي انت متضايق إني جاي أقعد معاك، قلت له: لأ اتفضل طبعا، كانوا كلهم حريصين يشوفوا كل واحد منهم بيعمل إيه وهو مش موجود عشان يحرص إن أداءه يبقى عالي ومتناغم، وبالتالي استفدت أنا واستفاد المشاهد من حالة المنافسة ومن التوهج اللي حصل بسببها.
فيلم (الوحل) لما عرضت الفيلم على محمود عبد العزيز قالي يا علي الفيلم ده حكاية ست مش حكاية راجل، واعتذر عنه مع إنه كان صاحبي
ـ بعدها توقفت حالة البطولة الجماعية واستمر تعاونك مع محمود أبو زيد لكن في بطولة فردية لأحمد زكي اللي سبق واشتغلت معاه في فيلم (أربعة في مهمة رسمية)، وعملتوا سوا معاه فيلم (البيضة والحجر)، هل حقق نفس النجاح؟
وقت عرضه حقق نجاح متوسط، لكن بعد كده زاد نجاحه لما اتعرض في التلفزيون، والزمن اداله أهمية وبقى ليه شعبية كبيرة، والحقيقة إن محمود كان كاتبه كويس وشكل كتابته فيه مختلف حتى عن أفلامي السابقة أنا ومحمود، يعني في أفلامنا اللي قبله في بناء درامي وصراع مع إن الفيلم بيناقش قضية، لكن الفيلم ده ما فيهوش صراع درامي زي اللي في الأفلام اللي قبليه، ما فيش حدوتة مكتوبة بشكل كلاسيكي، يعني قريب من شكل الكتابة الفرنساوي شوية، البطل ما بيصارعش حد من أول الفيلم لآخره، لأ بنمشي مع شخصية وتطوراتها وهي بتتقلب 180 درجة، بنشوف إزاي بيبدأ من الفيلسوف المثقف إلى الدجال، والمجتمع هو اللي بيعمل فيه ده والناس هي اللي عايزة ده وبتصنعه، لإنها بتبحث عن المجهول وتخاف منه، ونشوف إزاي صاحب سلطة غير كفء خايف إنه يتشال من منصبه فيدور بقى على طريقة ما يتشالش بيها من منصبه، ورجل أعمال جت له الثروة بضربة حظ فيروح لحد يشوف له الطالع قبل ما يعمل صفقة لإنه خايف فلوسه اللي جت بالصدفة تضيع، كل ده بنقدمه من خلال قصة ملامحها بتتشكل وبتشد المشاهد معاها، ومن هنا جت أهمية الفيلم الفنية ومتعته اللي بتزيد مع المشاهدة.
ـ بعدها تعاونتم في فيلم (عتبة الستات) اللي كان أقل أفلامكم نجاحاً من الناحية الجماهيرية والنقدية، كان إيه السبب؟
هو فعلاً (عتبة الستات) كان أقل أفلامي مع محمود أبو زيد نجاحاً، وأعتقد إنه أقل أفلامنا أهمية، والحقيقة إن الفيلم ده ما كنتش أنا مخرجه، كان اللي هيخرجه الأستاذ حسين كمال، وحصل خلاف بينه وبين نبيلة عبيد بطلة الفيلم أو مع المنتج مش متذكر دلوقتي بالضبط، فقرر الأستاذ حسين الاعتذار، وجالي محمود ونبيلة وقالوا لي لازم تعمل الفيلم وتنقذ الموقف، وعاوزين ندخل على طول، وكان الفيلم متجهز إنتاجيا وخلاص مستعدين للتصوير، وناقص في تحضيره حاجات بسيطة ممكن أعملها، ولما قريت السيناريو كان عندي وجهة نظر إن البداية لازم تكون مختلفة، واتناقشت مع محمود وأنا وقتها كنت مسافر باصيِّف مع أولادي، وكلمني محمود عشان آجي من المصيف نقعد سوا على السيناريو، ولما قلت له ملاحظاتي قالي بص اللي انت بتقوله هاعملهولك بس عايز ست شهور عشان أعيد الكتابة، هل هتستناني؟ وهل المنتج هيستنى؟ قلت له لأ وكنت حاسس إن الموضوع هيعدي عشان القضية اللي بيناقشها الفيلم مهمة وتفصيلة صوفة الدجالة كانت منتشرة في الأحياء الشعبية وأول مرة تتقدم في السينما، وبالتالي اكتفيت بعمل ملاحظات بسيطة على السيناريو لإن الملاحظات الأساسية كانت هتعطل عمل الفيلم لفترة طويلة، لذلك هتلاقي الفيلم مختلف عن نوعية الأفلام اللي عملناها سوا، لأن أفلامنا كانت طالعة من مطبخ واحد، وعموما هو الفيلم ما سقطش، نجح لكن نجاحه كان متوسط أو اقل من المتوسط.
ـ بعد (عتبة الستات) قدمت تجربة مختلفة عن أفلامك السابقة وهي تجربة فيلم (اغتصاب) وكان الملفت فيه أنك أقنعت كوميديانات ناجحين زي أحمد بدير ونجاح الموجي يعملوا أدوار منفرة مع فاروق الفيشاوي، إيه اللي خلاك تختارهم بالتحديد؟
الحقيقة إن الكوميديانات أحسن ناس تعمل أدوار الشر في الممثلين، وأما يعملوها بيبقوا كويسين ومفاجئين للجمهور، ودايما جمال السينما في عنصر المفاجأة، والأمريكان أساتذة المفاجأة والإبهار في اختيار الممثلين للأدوار، كل شوية يخترعوا تفاصيل مبهرة في مفاجئتها للجمهور بعكس توقعاته، من أول فيلم جيلدا في الأربعينات لريتا هيوارث وجلين فورد، لما ريتا بكل رقتها وجمالها ضربت البطل قلم وكانت دي أول مرة في السينما ست تضرب راجل قلم، تفصيلة بسيطة لكنها تعمل ضجة كبيرة عند الجمهور، وده كان في بالي، إن المتفرج يتوقع شيء من الممثلين الكوميديانات فيلاقي حاجة مختلفة، والحقيقة هما قروا السيناريو وعجبتهم الشخصيات، وكان عندهم ثقة فيا لإن الوقت ده كانت أفلامي كلها نجحت، وأي حد كنت بابعت له كان صعب يرفض يشتغل معايا، ودي من حسنات النجاح الجماهيري إنه يخلي أي حد صعب يرفض يشتغل معاك لإنه هينجح ماديا وأدبيا واللي كان بيرفض قليل جدا.
يعني هاحكي حكاية لأول مرة، فيلم (الوحل) لما عرضت الفيلم على محمود عبد العزيز قالي يا علي الفيلم ده حكاية ست مش حكاية راجل، واعتذر عنه مع إنه كان صاحبي وأنا ساعدت في إن أجره يعلا وكل قفزاته في سوق السينما حصلت مع أفلامي، ده حقيقي مش بامجد في نفسي يعني، طبعا زعلت لكن خلاص أوكيه، بعثت الفيلم لنور الشريف فقال لي نفس الجملة بس قال: أنا هاعمل الفيلم ده عشان خاطرك، فقلت له: لأ، أنا بصراحة ما باحبش جملة علشان خاطرك أبدا، انت تعمله عشان خاطرك انت وبيني وبينك العرض الأول، وفعلا يوم العرض رحنا السينما أنا وهو وكمال الشناوي، والفيلم كان عامل كومبليه والناس سقفت بعد ما الفيلم خلص لما قالت يا بس إعجابا بالفيلم وبدور نور، فميّلت عليه وقلت له نور مش قلت لك هتعمل الفيلم ده عشان خاطرك، قال لي: بص يا علي ما تبقاش تبعت لي سيناريو بعد كده، ابقى ابعتني أمضي على طول وبعد كده ابعت لي السيناريو، كتعبير عن ثقته فيا، وإدراكه إني مش هابعت له دور إلا وأنا متأكد من إنه مناسب فيه وهيعمل فرق معاه.
وقد كان، الفيلم اللي بعده (بئر الخيانة) كان المنتج سعد شنب استراه من ساعة ما اتنشر على حلقات في جريدة (الجمهورية) وسعد شنب اتصل بالمؤلف إبراهيم مسعود وما كانش في سيناريو، وكان في ظروف معينة عشان البيع للتوزيع الخارجي، فلازم نور يمضي فاتصلت بنور وقلت له عدي عليا وحكيت له الفيلم وقلت له: تعمله، قال لي: أعمله، فبعثته لسعد شنب يمضي ومضى على الفيلم وما كانش في سيناريو، في قصة بس، وأنا وسعد شنب سافرنا روما عشان نعمل معاينة للأماكن اللي هيحصل فيها تصوير، ودي عادة بتحصل بعد ما يخلص السيناريو، لكن عملناها واحنا معانا القصة بس، لكن ده كان قرار صائب لإن بعد كده في كتابة السيناريو بقت الأماكن قدامنا وشايفينها كويس، ودي حاجة ما كانش ممكن تحصل لو ما كانش في ثقة بين فريق العمل أنا والمنتج وبطل الفيلم، كل الاتفاقات حصلت بشكل طبيعي، وطبعا ده ما كانش ممكن يحصل لولا سابقة النجاح الفني والجماهيري اللي بيفرض الثقة دي ويأكدها بين اللي شغالين في مشاريع الأفلام.
....
نكمل الأسبوع القادم بإذن الله.