حمار تويتر الطنان.. كلاكيت أول مرة (2 - 2)

هذا الكائن؛ نسخة رقمية سيئة، عن اللورد كارديغان البريطاني، قائد الستمائة من لواء الضوء، في إحدى معارك حرب القرم. كارديغان التاريخي، سك منه الشاعر ألفريد لورد تنيسون؛ قصيدة، خلدته هو وفرسانه في متحف الوعي الجمعي.

كارديغان الرقمي، لديه أيضا ستمائة، لكنهم ليسوا فرسانا بل متابعين. هذا الرقم، يمثل الحد العددي الأدنى، ليتمكن من استخدام ميزة "المساحة"، على منصة تويتر؛ كي يستطيع ترفيع نفسه إلى مرتبة السيد هراء!

"حمطور" ومزاجه العالي

سر نجاح هذا الكائن يأتي من تقنين تركيزه الرقمي على موضوعة واحدة كل مرة. ينجح أكثر مما يخفق، لأنه يقوم بالتفاوض مع البعد الطائفي، في أدمغة متابعيه. هو يتفاوض من أجل مسألة محددة لا متعددة: تنقية المواقف من أي اختلاط طائفي. كتيب أصدرته المؤسسة الهولندية أكد لي أن "حمطور" العراقي ناجح أكثر من نظيره الخارق؛ ذلك الذي يتصور أنه قادر على إنجاز عدة مهام، والدليل بحسب قارئ الأثر الهولندي: "المفاوضون متعددو المهام يحققون مكافآت أقل، ويعتبرون أقل احترافية، وليسوا جديرين بالثقة بشكل كاف" (الدبلوماسية الرقمية في العصر الرقمي، الطبعة الإنكليزية الرقمية، ص35).

"أبو صابر" التويتري، يعرف، فطريا، ما اكتشفه الدبلوماسيون البريطانيون خلال تجاربهم الرقمية: "منصة تويتر توفر الفورية والطنين نسبة إلى مشاركة الجماهير" (المصدر السابق، ص47).

وظيفة "حمطور" الأساسية أن يثبت لفريقه الطائفي أن الفريق الآخر هو ابن سبأ. هو ينقل، أولا بأول، نتائج المفاوضات النووية الطائفية. هنا أستعير الكلمات التي وصفت طبيعة الدور الرئيسي لمنصات السوشيال عموما؛ في ما يخص صفقة إيران النووية: "بيع نتائج المفاوضات للجماهير المحلية" (المصدر السابق، ص36). عبقرية "حمطور" السياسية تتجلى إذا في اختراع من أسميهم بـ"الإسرائيليين المحليين".. أولئك المحتلين لفلسطين جديدة.. وطنه هو وفريقه المذهبي.

الانفتاح النسبي لوسائل الإعلام السائدة، خاصة تلك التي تمتلك غصونا رقمية يانعة، ستدفع القلم العربي، إلى إنتاج خطاب نقدي إيجابي

ويقوم صانع النقاء الرقمي "حمطور" بمهام مختلفة، يقوم بإنجازها بالمفرد لا بالجملة كما أسلفنا، ومن أشهرها سوشياليا؛ نشر الأخبار المزيفة. فريق من الباحثين الإيطاليين، يقوده ستيفانو غوارينو، يوضح لنا عموما أهمية ذلك بدون أن يتشرف بمعرفة "حمطور" العراقي: "المستخدمون غالبا ما يشاركون المعلومات المزيفة والمستقطبة بسرعة، عندما تكون متعلقة بالسياسة، بينما يشاركون محتوى تدقيق الحقائق، بشكل متأخر، عن الأخبار المضللة، بواقع عشرة ساعات". أيضا وبحسب فريق غوارينو، فإن: "كثرة النقاشات تميت الخبرات والخبراء".

يحرص صديقنا أيضا على أن يكون بخيلا جدا في الضغط على أيقونة "اللايك"، في منصة تويتر، للتغريدات التي يتابعها. هو يفسر ذلك بأنه، وعلى عكس نصيحة إسلامية راسخة: ينظر إلى من قال وليس ما قال!

هو يفعل ذلك كي يساهم في موت صانعي التنوع الرقمي. أيضا، وبسبب البعد الطائفي له، وللحزب الذي يمثله سوشياليا، دائما ما يترك مسافة آمنة بينه وبين الأذرع الإعلامية لفريقه؛ فاحتراق ذيله الوطني يكشف قرونه المذهبية!

"حمطور" رجل إطفاء ونفط

الاستثناءات المتكررة التي لا ترقى إلى قاعدة واضحة الملامح، أنك لا تستطيع رؤية قرونه المذهبية إلا في مراحل الاستقطاب السياسي الشديد - كما هو حاصل اليوم في العراق - كذلك الكذب الصريح. يستخدم الكذب مطفأةً لحرائق بعض التصريحات الطائفية؛ سريعة الاشتعال السوشيالي، والتي يشعلها مجرمو حرائق أنيقون.. مجموعة من السيدات والسادة هراء؛ الذين يعملون أيضا لصالح مشغلي "حمطور".

"حمطور" أحزاب الإسلام السياسي "السنية"، المرتبطة بـ"الإخوان المسلمين"، يمارس ذلك باحترافية ممتازة، أما نظيره الشغيل عند أحزاب الإسلام السياسي "الشيعية"، المرتبطة بفكر ولاية الفقيه الإيراني، يعتمد بشكل رئيس على: سب وشتم الصحابة واتهام الآخر بـ"الدعوشة".

"أبو صابر" الرقمي في العراق لديه وظيفة أخرى في تويتر، مساحاتها تحديدا، وهي على درجة عالية من الأهمية، ألا وهي وظيفة "البطاقة البيضاء" لإدارة مواقع التواصل الاجتماعي. هذا المصطلح يتيح له أن يقوم بانتقاء الأهداف الاستراتيجية.. اكتشاف آبار جديدة للنفط الطائفي، وتحقيق شهرة لدى مشغليه؛ الذين يحافظ على سريتهم. المشغلون له بعد كل شيء، ليست لديهم جرأة كافية للظهور الوطني!

أعتقد، وبسبب ما تقدم، أنه بات لزاما على وسائل الإعلام السائد في المنطقة العربية أن تصنع أمنا إعلاميا، يلجأ إلى ألسن أقلام متنوعة المشارب! فهذا الانفتاح سيدفع الكاتب العربي للقيام بجولة فكرية حول العالم، في ساعات معدودة، قبل أن يمسك القلم! أيضا، سيساهم في تخفيض سعر الصرف، للخطابات الفجة والشعبوية.

الانفتاح النسبي لوسائل الإعلام السائدة، خاصة تلك التي تمتلك غصونا رقمية يانعة، ستدفع القلم العربي إلى إنتاج خطاب نقدي إيجابي؛ بل وللمفارقة سينتج فكرا محليا - السقف الأعلى للطموح - وهو يكتب عما يشبه بيئته الوطنية، في دول المشرق العربي، ومحيطه الشرق أوسطي!

العكس سيدفع "حمطور" ونظراءه إلى التغول، وربما تصحو الدول العربية ووسائل إعلامها الرسمية يوما، لتقرأ برنامج العمل الذي حدده لها "حمطور".

كذلك على من يقضون كثيرا من أوقاتهم على السوشيال، خاصة تويتر، أن يتبعوا نصيحة ميتشيل ستيفنز الذهبية: "كثير من الأخبار المثيرة مما لا شك فيه، تختبئ على مرأى من الجميع، ومما لا يدركه الصحافيون، أنه من الممكن الحصول عليها بواسطة البحث والتحليل، وليس عن طريق الصداقة أو السرية" (ما بعد الأخبار/ مستقبل الصحافة، الطبعة الإنكليزية، ص 80).