حوار مع يسرا عن الحب والموت (3/4)
ـ قبل فترة قمتِ بخطوة جريئة ربما يحسب لها زملاء لكِ ألف حساب، وهي فكرة الدخول في خصومة مع الصحافة، لما رفعتي على عدد من الصحفيين قضايا بسبب ما كتبوه عن حادثة اقتحام شقتك وعن حياتك الخاصة، ألم تشعري بالقلق من فكرة الدخول في عداء مع الصحافة خصوصا واحنا عندنا للأسف فكرة تعصب أبناء المهن لبعضهم؟
طبعاً لأ، كل اللي فكرت فيه إن في قلة من الصحفيين كتبوا عني بشكل غلط وظلموني، وكان لازم يتحاسبوا على ده، وكان لازم يفهموا إنهم لما يحولوا أقلامهم لسلاح يظلموا بيه حد، لازم هيتحاسبوا على ده، حبيت إنهم يفهموا إن مرار الظلم أوحش مرار في الحياة، أنا ما تعاملتش مع اللي رفعت عليه قضايا بوصفهم صحفيين وأنا فنانة، تعاملت كإني ست واتظلمت منهم، وهمّا رجالة في مجتمع شرقي، وحسيت إنهم لازم يعرفوا عاقبة الظلم رغم إنهم مع الأسف أقوى مني في مجتمعنا الشرقي، تفتكر أنا ممكن أفكر في إيذاء حد؟ مش مدى أملي إني أؤذيهم أو أعاقبهم، أنا بس كنت عايزهم يعرفوا إن الظلم في العرض والشرف أسوأ ظلم في الحياة.
ـ بشكل عام بتعتبري الصحافة ظلمتك ولا أنصفتك؟
أنصفتني من غير شك، الصحافة الشريفة النظيفة أنصفتني من بدايتي ولحد دلوقتي.
ـ وتفتكري الصحافة الشريفة نسبتها أكتر ولا أقل في رأيك؟
(دون تردد) حتى لو كانت أقل، لا يصح إلا الصحيح والحق صوته عالي حتى لو اتحاصر ومع الوقت هيظهر، ولو فضلت مظلومة حتى بعد 199 سنة هالاقي اللي ينتصر لي.
ـ بمناسبة الصحافة والصحفيين اللي وقفوا جنبك في مرحلة مبكرة وصعبة من حياتك، كنتي كلمتيني قبل كده عن تأثير الأستاذ صلاح جاهين ودوره المهم في حياتك، هل لقيتي اللي يسد الفراغ اللي سابه صلاح جاهين في حياتك؟
لأ طبعا.
ـ ليه؟
(بعد تنهيدة طويلة) لإن الزمن غير الزمن، إحنا دلوقتي عايشين في زمن يا الله نفسي وبس في كل حاجة، لكن زمن صلاح جاهين ومحمد شبل ـ المخرج السينمائي ـ وناس زيهم فقدتهم في حياتي، الزمن ده خلاص ما بقاش موجود، لحد دلوقتي بافتقد صلاح جاهين ومحمد شبل والحلوين اللي زيهم، وساعات أصحى الصبح عشان أطلبهم في التليفون زي ما تعودت وأفتكر إنهم ماتوا، صحيح لسه في دلوقتي إخلاص ووفاء لكن معناهم يمكن اختلف عن اللي شفته من ناس زي صلاح جاهين ومحمد شبل، يمكن معاني الإخلاص والوفاء في أيامهم كانت ظاهرة بشكل أسمى وأوضح من دلوقتي، يمكن عشان كل شيء بيتغير من حوالينا، والحياة بقت أسرع حوالينا، وده اللي بيخليني دايما أحاسب نفسي وأبقى حريصة إني ما أتغيرش مع الزمن في معاملتي مع الناس اللي باحبهم، واسألهم هيقولوا لك قد إيه الموضوع ده شاغلني طول الوقت.
ـ تجربة مواجهة الموت أو الاقتراب منه بتخلي الإنسان يشوف الحياة بشكل مختلف ويحس مشاعر مختلفة عن اللي كان متعود عليها قبل ما يجرب التجربة دي، إيه اللي شافته يسرا في التجربة دي؟
شفت رحمة ربنا ولطفه بيا، شفت ناس أوفياء جدا في حياتي، شفت ناس ما كانتش علاقتي بيهم قوية لكنها بقت قوية لإني شفتهم فعلا خايفين عليا مع إنهم ما كانوش عايزين مني حاجة، مجرد إنهم يدعوا لي ليل ونهار، شفت إزاي في لحظات التعب تنسى الإساءة وتفكر بس في التسامح والعطاء اللي مش هتاخد مقابل ليه، تفكر في نعمة الصحة وقد إيه مهمة، تشوف نماذج جميلة لناس حواليك، الدكتور اللي كان بيعالجني مثلا، أذهلني حجم رعبه عليا ولهفته وسعيه لإنقاذي، تشوف ردود أفعال لناس ممكن تكون عارفهم من سنة ولا سنتين، لكن تحس بعد الأزمة إنك تعرفهم العمر كله، كل دي حاجات جميلة تكشفت قدامي ولا يمكن أنساها.
ـ بالتأكيد في لحظات صعبة زي دي شفتي قدامك شريط حياة حافلة، هل كنتي راضية عن اللي شفتيه؟
الحمد لله، راضية عن حياتي وفرحانة برضا ربي عليّ، لإنه حماني حماية لا يمكن كنت أتخيلها، في ظروف زي دي طبعا بتعمل تقييم لنفسك ومن تقييمي لنفسي كن راضية، ضميري مرتاح وراضية عن نفسي وعلاقاتي وعملي، لكن برضه كنت أتمنى يتاح لي وقت أعمل اللي أجمل وأحلى، لكن في وقت زي ده ما بتكونش متأكد هل هتفضل في الدنيا ولا هتسيبها، وتمنيت وقتها من ربنا إني أقدر أكمل مشواري الفني ببصمات ما تتنسيش، تمنيت من ربنا إنه يديم عليّ الصحة ويديم عليّ رضاه ورضا أمي وإني أعمل حاجة لبكره وللناس.
ـ ما كانش في أحلام شخصية؟ الزواج؟ الإنجاب مثلا؟
تمنيت الاستقرار في حياتي بشكل عام، ده أهم شيء دايما أتمناه من أول ما أفتح عيني لحد ما أدخل النوم، حلم الأمومة لسه متعلّق بالنسبة لي، لو جه هيكون شيء جميل وأحمد ربنا عليه، ولو ما جاش أنا راضية وهاحمد ربنا، مش عايزة أعاند لإن العناد ما ينفعش، أنا حاولت قبل كده وهاحاول وكله نصيب.
ـ هل صحيح اللي اتنشر قبل فترة في مجلة (روز اليوسف) إنك فقدتِ القدرة على الإنجاب بعد ما تعرضتِ خلال جوازك السابق ـ من رجل الأعمال اللبناني فادي الصفدي ـ لإجهاض بسبب تسمم الجنين؟
(بضيق واندهاش) لا، على الإطلاق، الحمد لله ده ما حصلش، مش عارفة بيجيبوا الكلام ده منين، ومش عارفة أوصفه إزاي، يعني هاسميه اجتهادات غلط، وحسبي الله ونعم الوكيل.
ـ اتنشر برضه في أكثر من مجلة إنك مع بداية التسعينات عملتِ عمليات تجميل واستخدمتِ الهرمونات عشان تغيري تركيبة جسمك؟
لا، غير صحيح إطلاقا، وده برضه بيدخل في بند الاجتهادات الغريبة اللي كلمتك عنها.
ـ عايز أسألك عن الوحدة، يعني يسرا المرحة الصاخبة المليئة بالحيوية واللي بتوزع البهجة على كل اللي حواليها، لما بترجع للبيت اللي بتعيش فيه على مدى سنين طويلة لوحدها، بتتعايشي إزاي مع الوحدة؟
زمان، كانت الوحدة مصيبة بالنسبة لي، بس دلوقتي خلاص تعودت عليها وبقت الوحدة صاحبتي، وبعدين مرّات بقيت أحتاجها.
ـ كان الشاعر والكاتب الكبير كامل الشناوي بيخاف من الوحدة جدا، لدرجة إنه مشهور عنه إنه كان يعزم أصدقاءه كل ليلة عشان يسهروا معاه لغاية الفجر وينام وهو في صحبتهم خوفا من الوحدة، هل بتخافي أحيانا من الوحدة؟
لا، أنا ما باعانيش من قعادي لوحدي، بالعكس أحيانا باحب ده، يعني على حسب احتياجي وحالتي المزاجية، أحيانا باحتاج أكون لوحدي، لكن ده مش زايد عن حده عشان ما أصابش باكتئاب أو يحصل لي نفور من الناس زي ما بيحصل ساعات مع البعض، يعني بالجأ للوحدة بالشكل المعقول عشان أتأمل وأعيد حساباتي، والحمد لله ما بيجيش علي وقت ما أحسش فيه إني مش لاقية حد جنبي يونسني، يعني أنا لو الساعة خمسة الصبح ولقيت نفسي زهقانة هالاقي اللي يونسني من صاحباتي الأنتيم، ودي نعمة من ربنا.
ـ في بداياتك ارتبطتِ بالأدوار الخفيفة والمرحة والرومانسية الشقية، لكن بعد كده حققتِ نجاح أكبر في الأدوار الحزينة اللي كانت سبب في صناعة نجوميتك وبينت خصوصيتك في التمثيل، وكان واضح إن ليكي علاقة خاصة مع الحزن؟
هو كله طالع من جوايا، الحزن والضحك والشقاوة، بس يمكن نسبة الحزن تلاقيها أكبر.
ـ ليه؟
مش عارفة، لكن ده معايا من زمان جدا، مش حاجة قريبة، من الطفولة، بالتحديد من ساعة ما اتحرمت من والدتي وافترقت عنها، الحزن في السن الصغيرة دي قعد يكبر مع الوقت والظروف والصدمات اللي قابلتها في حياتي.
ـ أول صدمة عاطفية في حياة يسرا كانت امتى؟
(ضاحكة) صدمة عاطفية؟ أكيد كان في صدمات، لكن اللي ما يقتلكش بيقويك زي ما بيقولوا.
ـ يعني أنا متأكد إن يسرا صدمت لها سبع أو تمان شباب عاطفيا في بداية طريقهم، لكن أكيد الكل يهمه يعرف طبيعة الرجل اللي صدمك عاطفيا؟
مش فاكرة بصراحة، أو فاكرة بس مش هاقول التفاصيل (تضحك) حصلت الصدمة فعلا بس المؤكد إنها صقلتني وما موتتنيش، كنت متخيلة إنها هتإذيني، لكن ده ما حصلش.
ـ معقولة نسيتيها وما عاشتش معاكي؟
(بعد صمت) لا، عايشة، هي تجربة مش عايزة أمر بها أبدا أبدا تاني، حصلت لي وأنا عندي خمسة وعشرين سنة. كان أصعب حاجة فيها إن الحب يخليك تتصور إنك ممكن تضحي بكل أحلامك وفنك، وتتصور إنك من غير ما تحب الشخص ده حياتك مش هتكمل، وبعدين تكتشف إن الحياة بتستمر، وكمان بتستمر للأحسن والأقوى والأنجح.
ـ لكن فشلت ليه قصة الحب دي وقتها؟
لإن مخي كان صغير وقتها، ولإن الحكاية ما كانتش نافعة من أساسها، وأنا كنت غلط، اختياري كان غلط وما كانش في محله.
ـ ودلوقتي مش نادمة؟
لا، إطلاقا، بالعكس أنا دلوقتي بدون التجربة دي أفضل.
ـ كم مرة حبيتي في حياتك؟
لا، حبيت كتير، لكن بشكل مختلف، يعني تجربتي العاطفية وأنا في المدرسة غير تجربتي وأنا عندي 20 سنة غير وأنا عندي 30 سنة غير تجربتي دلوقتي.
ـ اللي هي إيه تجربتك دلوقتي؟
(تضحك) قصدي بشكل نظري، مش هاريحك خالص في النقطة دي.
ـ ساعات الواحد مع ضغوط الحياة خصوصا في الوسط الفني اللي الشغل فيه بيبقى على الأعصاب، بيلجأ لمبدأ "إن لم تحبوا فتحاببوا"، يعني مش لازم يكون حب حقيقي، لكن حب عشان الحياة تبقى ألطف، هل جربتي ده؟
والله لا أنا مؤمنة بمقولة إنجليزية شهيرة قريتها زمان بتقول أن تعيش الحب وتتعذب فيه وتعيش آلامه أفضل من أن تعيش حياة كاملة ليس فيها هذه المعاني، عشان كده أنا باحب أكون غنية بالحب اللي ليه معنى، الحب بمعانيه الإيجابية والسلبية برضه، لإن المعاني دي بتصقلني من جوايا بشكل غير طبيعي، طبعا ما كنتش بافهم الكلام ده زمان، وأنا مراهقة أو وأنا في العشرينات، لكن دلوقتي فاهماه، ولما باشوف دلوقتي واحدة بتحب بالطريقة اللي كنت باحب بيها وأنا في العشرينات من عمري وتحكي لي، أضحك وأقول لها: أنا عدّيت بكل ده، فبالراحة، خدي بالك من ده ومن ده.
...
نختم الحوار غداً بإذن الله.
حلقات الحوار السابقة: