حياةٌ على ذمة ورقة!
أمشي وأنا أتلفّت من حولي، هل يترقبني أحد، هل يتربّص بي ضابطٌ ما، هل ينتظرني على الناصية كمينٌ محكمٌ للإمساك بي ضمن الآلاف الذين يُقبض عليهم كلّ يوم، لأنهم لا يملكون "ورقةً" ما؟ هل سأنجو هذه المرّة من الاختيار العشوائيّ الذي لا يعتمد إلا على فراسة الشرطيين والدرك؟
عشرون مرةً في اليوم تفكّر في كيفية النجاة لإضافة يومٍ آخر إليك في مَنفاك، دون أن تذوق لظى السجون والبيروقراطية والتهديدات المتواصلة بالترحيل.
خوفٌ يُخيّم على كلّ شيء، أنت خارجٌ من بلادك، مهجرٌ أو مهاجر، لأنك لا تأمن العيش فيها لمدّة أطول، ولو استطعت الرحيل منها مبكرًا أكثر لكنت نجوت من الاعتقال والمطاردة، وهذا البلد بطبيعة الحال كان يتفهم وضعك، جئت بأوراق سليمة في أغلب الأحوال، وأقمت بأموالك وكدّك وتعبك، وأنفقت على الضرائب والخدمات أكثر من المواطنين أنفسهم، ثمّ في لحظة ما، كان لا بدّ من انتهاء صلاحية أوراقك، ثمّ لأنك مواطن دولة نظامها غير محترم، حتى في التفاصيل الإنسانية من الخصومة، فإنك معاقبٌ بعدم التمكّن من تجديد أوراقك، ومن الطبيعيّ في حال كهذا أن تتفهم الدولة المضيفة وضعك الحسّاس، بغضّ النظر عن الحملات الشعواء التي تنادي برميك إلى الموت خيراً من أن تسكن جاراً لجارك المواطن العنصريّ الذي لا يريد رؤية المزيد منك هنا، فيكون ردّ الفعل من الدولة للأسف أن تلقي القبض عليك كأنك تاجر ممنوعات، أو سرطان يهدّد استقلال هذه البلاد!
أنا متعَب، ويائس، ومحبط، إلى أقصى درجة، لكوني أعيش على شفا ورقة إلى هذا الحد، هل صار البشر الذين من لحم ودم لا يساوون أكثر من حبر على ورق؟ هل تغضّ البصر عن عينيّ، عن بدني، عن قلبي، عن عقلي، عن مواهبي، عن حياتي، عن أسرتي، عن التزاماتي، عن أفكاري، في مقابل التدقيق بأوراق هويتي؟ هل أوراق الهوية في الأساس لها معنى إذا لم أكن أنا ذاتي صاحبها؟ هل الأوراق الثبوتية إلا محاولة توثيقية لإنسانٍ يعيش في حيّز ما وزمان ما؟ ماذا إن اختفت فجأة أو ضاعت؟ هل أسجن لأنني غير مصحوب بورقة تدلك علي؟
هل صار البشر الذين من لحم ودم لا يساوون أكثر من حبر على ورق؟
حياةٌ مخيفة تخيّم على كلّ المقيمين في أيّ بقعة من ذلك العالم المروّع، حين لا يملكون ورقة "حديثة" تُثبت هويتهم، فلا تكتفي الدول بإثباتات الهوية وحسب، وإنّما تحدّدها بمدّة، لأنك نفسك قد تتغيّر تقريبًا كلّ عام، ولا تكفيها بطاقة تثبت أنّ هذا الشكل أنت، وذلك الوجه أنت، وذلك الاسم أنت، وذلك السجل أنت! لا، لو تجاوزت التاريخ المحدّد بساعة، فإنك رسميًّا في عداد النزلاء بسجن الأجانب، تنتظر الترحيل!
أنا الآن خائف، على نفسي، وعلى جميع من حولي، المقرّبين والأصدقاء، من أن يعيشوا تجربة أخرى من المعاناة، ليس لأنهم معارضون هذه المرّة، وليس بسبب أفكارهم، وليس لتوجهاتهم السياسية (التي تتفق في كثير من الأحوال مع سياسة البلد الذي يقيمون فيه)، وإنّما لأنّ تاريخ صلاحية إقامتهم انتهى أو على وشك الانتهاء.