دلالات تسليم المواطن الليبي إلى أميركا
تابع الجميع خبر بدء محاكمة المواطن الليبي محمد مسعود خير المريمي (أبو عجيلة)، المتهم من قبل السلطات الأميركية بالضلوع في تفجير لوكربي، وسط ردود فعل تتراوح بين الرفض والاستنكار، سواء على المستوى الشعبي أو الرسمي في شبه الدولة الليبية.
وكان "أبو عجيلة" قد اعتقل عام 2012 في طرابلس باعتباره من ضباط المخابرات في نظام العقيد الليبي الراحل معمر القذافي، حيث بقي حتى نوفمبر/ تشرين الثاني 2022 عندما أطلق سراحه لأسباب صحية.
النائب العام الليبي قال إنّ تسليم المواطن الليبي جرى بدون إجراءات قضائية، ولكن الحكومة لم تعلّق على الحادثة. بطبيعة الحال، وهذا ما يعرفه الجميع! فإنّ الدول والحكومات من المفترض بها أن تطبّق القانون، وأن تحمي مصالح المواطنين الذين يحملون جنسيتها. حتى الآن تغيب الرواية الرسمية لما يسمّى بحكومة الوحدة الوطنية.
وفي ظلّ غياب الرواية الرسمية للحكومة، نكون أمام احتمالين لا ثالث لهما، إما أن تكون الحكومة قد قبضت على "أبو عجيلة" وسلمته لأميركا، وهذا التصرف مخالف للقوانين المحلية، ومخالف أيضاً لأبسط مبادئ عمل أي حكومة في العالم. الثاني أن تكون مجموعة مسلحة قامت باختطافه وسلمته بعيداً عن الحكومة، وهذا الاحتمال أسوأ لأنه يكشف عجز الحكومة.
سينظر الجميع لمن قام بتسليم "أبو عجيلة" على أنه يمثل عصابة لا تطبّق القانون ولا ترعى مصالح المواطنين، وأنها ليست جديرة بالاحترام
قد يظن بعض المتابعين مثلاً من مؤيدي وأنصار الحكومة أنّ هذه العملية (في حال كانت بإشراف الحكومة) قد تدعم موقف الحكومة سياسياً في علاقتها مع الولايات المتحدة الأميركية. صحيح أنّ السياسة هي فن المصالح المشتركة وفن الممكن، ولكن الأمر ليس بهذه البساطة والسطحية. وفي الحقيقة، إنّ مخالفة أبسط قواعد الدبلوماسية والقوانين لن يجعلك تحصل على احترام الداخل أو الخارج، بل سينظر الجميع لمن قام بهذا العمل على أنه يمثل عصابة لا تطبّق القانون ولا ترعى مصالح المواطنين، وأنها ليست جديرة بالاحترام.
ربما لاحظ الجميع أنّ غالبية الناس، على مختلف أطيافهم وتوجهاتهم السياسية اعترضوا على الحادثة، وعبّروا بشكل ما عن عدم رضاهم من خلال وسائل التواصل الاجتماعي من خلال التعليقات أو المشاركات أو حتى اللايكات، ويبدو أنّ هذا التفاعل لن يخرج من هذه الدوامة، والحكومات والأجسام السياسية المختلفة تعرف ذلك.
المجتمع الليبي في الوقت الحالي أصبح مخدّراً ومنشغلاً بقضايا أخرى مثل زيادات الرواتب وتقاسم المناصب ومخصّصات الأبناء والزوجة... الناس في الحقيقة نسوا حتى الانتخابات، و لم يخرجوا للمناداة بتنفيذها على الرغم من مرور عام كامل على موعدها السابق، ولن يكون تفاعلهم مع قضية المواطن الليبي أكبر من تفاعلهم مع قضية الانتخابات.
تتابع حكومة الوحدة الوطنية بشكل مستمر ودقيق جميع تفاعلات الناس على وسائل التواصل الاجتماعي، وهذا ما نراه وما نلاحظه دائماً من ردود أفعال الحكومة ومسؤوليها، ولكنها في الحقيقة (أي الحكومة) لا تأبه بردود أفعال المواطنين.
لن يستجيب القدر لأنّ الشعب حتى الآن لم يقرّر أنه "يريد الحياة"
ولعلي هنا أضرب مثالاً بسيطاً، يوضّح وجهة نظري هذه، فقد خرج رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة منذ أشهر، وقال لوزير التعليم عمران القيب "يا كركوبة"، وهي كلمة تعني باللهجة العامية الليبية الكرة أو الشيء المدور، وذلك في إشارة استهزاء بالوزير نظراً لقصر قامته ووزنه الزائد.
قوبل هذا التصرّف باستنكار ورفض شعبيين، فخرج رئيس الحكومة يعتذر من الوزير ويقول إنّ الوزير يقول له يا دنقا! (كلمة تقال في بعض مناطق غرب ليبيا للأطفال إذا كان حجم رأسهم كبيراً... أو إذا كانوا يتصفون بالعناد).
ولكن، وخلال الشهر الجاري شهر ديسمبر/ كانون الثاني 2022، خرج رئيس الحكومة مجدداً، وكرّر الكلمة عدّة مرات، وهو يقول "الوزير الكركوبة" و"مساعد الوزير الكركوبة" وهو يضحك، وهذا في الحقيقة يمثل ويوضح كيفية تعامل الحكومة مع الشارع.
الحكومة تهزأ بالرأي العام ولا تهتم له، وهي تعرف حقيقة أنّ الناس منشغلون بأمور أخرى، وأنّ الرأي العام الشعبي لن يغيّر من واقع الحال أي شيء.
خلاصة القول هي أنّ الدولة الليبية أصبحت أشبه بالغابة التي تسيطر عليها عصابات (أقول هذا وكلي أسف) إلا أنّ الأشهر الماضية تدل على أنّ غياب رد فعل الشارع واستهزاء السلطة بالشعب يدلّان معاً على أنّ هذا الوضع المزري سيستمر لفترة طويلة وطويلة جداً.
باختصار، لن يستجيب القدر لأنّ الشعب حتى الآن لم يقرّر أنه "يريد الحياة"، ولكن ربما يتغير الحالي يوماً ما، والله وحده يعلم!