مونديال قطر... تسويق على غرار الحلم الأميركي؟
بعد حفل افتتاح كأس العالم، احتدم جدل بين أوساط المثقفين حول حفل الافتتاح وظهور الشاب غانم المفتاح ورمزيته وأبعاد ظهوره الأخلاقية.
لم أتابع الحفل مباشرة، ولست من متابعي كرة القدم نهائياً، ولكنّني قرأت منشورات مختلفة حول الموضوع بعد تعاطف الناس الكبير مع هذا الشاب، الذي ظهر رفقة الممثل الأميركي، مورغان فريمان، خلال حفل افتتاح المونديال.
كنت أعتقد أنّ الهدف الحقيقي من تصميم الحوار والحفل هو إثارة التعاطف والجدل، وجعل حفل الافتتاح الترند رقم 1 حول العالم، حيث ينقسم الناس بين منبهر ومتعاطف مع صورة الشاب القطري الذي ظهر في حفل الافتتاح، بينما سيعبّر آخرون، مثلاً، عن عدم قبولهم بهذا التصوير، أو مثلاً اعتراضهم من الناحية الأخلاقية على مشاركة شاب من ذوي الاحتياجات الخاصة في الحفل دون أن تكون له علاقة مباشرة بموضوع المونديال، واعتبار ذلك نوعاً من المتاجرة بهذه الشريحة في المجتمع.
شخصياً، كنت أظن أنّ أهداف مصمّم الحوار، من خلال هذا الجدل، تتحقق عندما يصبح الحوار حديث العالم العربي، والعالم بأسره! وبهذا ينجح مصممو الافتتاح في جلب الانتباه وشدّ الأنظار، وهو أمر طبيعي يعمل عليه المختصون في الجوانب الفنية والإعلامية.
ولكن بعد أيام، ومن خلال متابعة بعض المقاطع المصورة لهذا الشاب القطري المميز، غانم المفتاح، والتي تحدّث فيها عن رحلته للعلاج والتأهيل والعمليات التي أجريت له، تغيّرت وجهة نظري حول الموضوع.
أعتقد الآن أنّ الهدف الرئيسي من إظهار هذا الشاب هو الترويج لقطر وللحياة في قطر، حيث لم تخذل الدولة القطرية هذا الشاب على الرغم من احتياجاته الخاصة وظروفه الصحية، بل قدمت له الدعم وتمكنت أسرته أيضاً من الاهتمام به ودعمه حتى أصبح مستقلاً.
قطر خسرت المليارات على المونديال، ولكنها كسبت سياسياً ولفتت انتباه العالم، وهذا الأمر يدفع بالناس إلى بذل دمائهم لكتابة اسم بلدهم أو أفكارهم في التاريخ
وفرت الحياة في قطر لهذا الشاب العلاج والتأهيل والدعم، وأصبح الشاب متحدّثا جيداً ومحاوراً مرناً، ومستقلاً يقود سيارته بنفسه، ويستطيع السباحة، ويملك شركته الخاصة ويحصل على الدعم، وهو يتحدث دائماً ويقول إن الفضل لله ولوطنه ورعاية أسرته.
هذه هي الصورة الإيجابية الحقيقية في قطر، بينما يعاني ذوو الاحتياجات الخاصة في البلدان الأخرى، بل ويعاني الأصحاء أيضاً.
وفي دولة مثل ليبيا، يتسبّب نظام الحكم في تحوّل الأصحاء إلى معاقين ومبتورين (من خلال الحروب)، وبعد ذلك يخذلهم وطنهم للأسف.
ويلجأ العقلاء والمتعلمون إلى الهجرة هرباً من واقعهم السيئ، وسعياً لتحقيق أحلامهم، ويفشل المتعلمون وأصحاب العقول، بينما ينجح المجرمون في تسلق هرم السلطة ونهب أموال الدولة.
رمزية الحفل كانت تسوّق لهذه الفكرة الإيجابية والصورة الجاذبة، قطر قادرة على دعم وتأهيل ذوي الاحتياجات الخاصة والوصول بهم إلى حالة الترف، بينما تفشل بلدان كثيرة في الاهتمام بهذه الشريحة.
وأعتقد أن هذه الفكرة قد وصلت إلى الناس على الرغم من اختلاف ثقافاتهم ومواقفهم وتوجهاتهم السياسية.
قد يتساءل بعض الناس عن فائدة مثل هذا الأمر! الفوائد كثيرة جداً، ومنها مثلاً أنّ الترويج للبلد بهذه الطريقة يشبه عملية الترويج للحلم الأميركي الذي جذب ملايين الناس خلال عقود، وأدى إلى جذب النخب واهتمامهم بالهجرة إلى أميركا واهتمامهم بالثقافة الأميركية، وهو أيضاً ما ساهم في قراءة الثقافة والحضارة الأميركية وتقدمها على مستوى العالم.
وفي الحقيقة، ستلفت هذه الصورة أنظار الكثير من الناس حول العالم، خاصة ممن يبحثون عن الدعم أو النجاح، وستكون لمثل هذه الفكرة فوائد سياسية وعلمية، وعلى المستوى الثقافي على المدى الطويل.
قطر خسرت المليارات على المونديال، ولكنها كسبت سياسياً ولفتت انتباه العالم، وهذا الأمر يدفع بالناس إلى بذل دمائهم لكتابة اسم بلدهم أو أفكارهم في التاريخ، وربما تكون الخسارة المالية أقل أنواع الخسارات تكلفة إذا ما فكرنا بهذه الطريقة.
هذه الكلمات ليست دعاية لقطر أو انحيازاً لمواقفها السياسية، ويحتاج فهم وجهة نظري هذه إلى وضع العواطف والتوجهات السياسية جانباً والتفكير بموضوعية وعقلانية.