دور الإعلام في كشف العنف ضد النساء
في مجتمع تسوده العقلية الذكورية، وفي كل مرة تُنقل فيها قصة عن امرأة تعرضت للعنف أو الإساءة، تكون ردة الفعل بإدانة النساء ولومهن، أو التشكيك بأقوالهن في أحسن الأحوال، لذا ينبغي على الإعلام تحدي هذه الأفكار النمطية والثابتة، والسعي لإبراز الأذى الناجم عن الجرم المرتكب بحق الضحية، وتحميل المعنّف مقترف هذا الجرم المسؤولية الكاملة عن أفعاله، من دون محاولة إيجاد تبريرات أو أسباب تخفف من جدية الفعل العنفي وخطورته، إذا لم يتناول الإعلام حالات العنف ضد المرأة من هذه الزاوية، فهو يساهم حكماً في ترسيخ ثقافة لوم الضحية وإدانتها والإفلات من العقاب، بل وقد يمنح الجناة الحصانة الإعلامية معززة بالحصانة المجتمعية أيضاً.
ثمة مفاهيم مجتمعية سائدة رغم أنها مغلوطة تساهم في تغييب مسؤولية المرتكبين الحقيقين وتجرّم الضحايا من النساء وتمنع هذه المفاهيم بناء ثقافة داعمة للنساء ضحايا العنف وخاصة العنف الأسري. وقد يحمّل الإعلام النساء مسؤولية صمتهن عن الأذى الدائم الذي يتعرضن له، بل وقد يتماهى الإعلام مع الصورة النمطية المجتمعية السائدة والتي تتهم النساء الصامتات بأنهن يهوين تعذيب أنفسهن بأنفسهن.
ينبع صمت النساء المتأصل عما يتعرضن له من الخوف من السلطة الأبوية أو من الشريك وتهديداته، كما تساهم العقبات القانونية والمجتمعية بتكميم أفواه ضحايا العنف وخاصة من النساء.
قد يحمّل الإعلام النساء مسؤولية صمتهن عن الأذى الدائم الذي يتعرضن له، بل وقد يتماهى الإعلام مع الصورة النمطية المجتمعية السائدة والتي تتهم النساء الصامتات بأنهن يهوين تعذيب أنفسهن بأنفسهن
من أشكال التطبيع مع العنف ضد النساء، وخاصة الأسري، هو اعتبار العائلة وحدة مقدسة تقع مسؤولية حمايتها والحفاظ عليها على المرأة بشكل رئيسي وربما بصورة منفردة، كما يتم تعميم أن بعض أشكال العنف، وخاصة الوالدي أو الممارس بسبب السلطة العائلية كسلطة الأخ، ليس عنفاً، وإنما من محتمات التربية والتأديب للحفاظ على شرف العائلة.
يساهم كل من الخجل الموروث والمصنف كقيمة إيجابية عند النساء وقلة الثقة بالنفس وبالقدرات الذاتية عند النساء الواقعات في دائرة التعنيف في الخوف من مقترف العنف ومن تهديداته وسلطته، بانعدام المقدرة على المواجهة وبغياب آليات الحماية الذاتية والمباشرة عند حدوث التعنيف، كما يعزز غياب دعم العائلة والأصدقاء والعزلة الاجتماعية من هذا الخوف، وفي بيئة تغيّب استقلالية النساء الاقتصادية بل وترفضها بذريعة أن مسؤولية النساء تكمن حصريا داخل جدران البيوت، ما يضاعف من ارتباط حياة النساء وحتى تدبير مصروفهن الشخصي بالرجال حصرياً. بناء على ذلك، تُحرم النساء من فرص العمل والاستقلالية الاقتصادية والمشاركة في دخل العائلة، كما تُحرم من أي أمل أو دعم بتغيير الظروف أو الحد من تجبّر وتسلط المعنّف، وتبقى معلقة في دوائر الاحتياج وخارج أي شراكة عائلية أو مجتمعية.
ولا بد من الإشارة إلى أن خوف النساء، وخاصة الأمهات، من فقدان حضانة الأطفال وغيرها من الحقوق، مثل المأوى والنفقة والدعم المجتمعي، في ظل قوانين تمييزية ظالمة مثل قوانين الأحوال الشخصية وتحديات تطبيق القوانين من قبل قضاة أو مشرفين قضائيين أو أوصياء، أو مؤسسات لا تملك من أمرها شيئاً وتفتقر إلى القدرة على اتخاذ القرارات المنصفة ويتدخل في قرارتها ومهام عملها أوصياء معيقين أو أصحاب سلطة فارضين للتمييز ضد النساء، كلها أمور تحول دون تمكن النساء من وقف دوران دائرة العنف الدائرة بتقبل يبدو وكأنه من طبيعة الحياة.
وكي يساهم الإعلام بإماطة اللثام عن الحقيقة وتعرية الصورة الحقيقية لحيثيات العنف وحلقاته المحكمة، ينبغي عليه إعلان أن سكوت النساء وعدم اتخاذهن خطوات جدية لمواجهة العنف لا ينتجان عن قبولهن بواقعهن، بل ينبعان من اضطرارهن للتأقلم معه لدرجة تطوير آليات للتكيف معه، يحصل كل ذلك لانعدام كل مقومات القوة اللازمة لتقديم الصورة الحقيقية.