رهانات الاجتياح البري الإسرائيلي لقطاع غزة
تسعى العديد من الدول لبسط نفوذها وقوتها عبر الحروب والصراعات. لكنها لا تدرك أن هذه الحروب قد تحد من كل ذلك. فالحرب هي امتداد للسياسة، لذلك فإن الدول القوية تنجح أحياناً في الفوز بالمعارك، لكنها قد تنتهي بهزيمتها سياسياً.
فلذلك فإن عملية "طوفان الأقصى" أثبتت أن إسرائيل ليست بمنأى عن الهزيمة. وما زالت قواتها منخرطة في قتال عنيف لإحكام السيطرة على الشريط الحدودي كاملاً، حتى هذه الساعة.
وبعد حصول نتنياهو على ضوء أخضر من الرئيس الأميركي للتحرك بحرية مطلقة في الحرب. أعلنت إسرائيل هدفاً لنفسها القاضي بتصفية "حماس" ومعها بقية المقاومة.
ولكن الأسرى الإسرائيليين عند المقاومة بقوا عقبة كبيرة أمامها، كون العديد منهم من جنسيات أخرى. وما أعلن، حتى الآن، بشأن التكتيك الإسرائيلي القادم في حربها على غزة، هو شنّ مقاتلاتها حملة قصف مكثف على قطاع غزة. ثم يعقبها مباشرة اجتياح كامل للقطاع وإعادة احتلاله من جديد، بهدف القضاء كلياً على أي مظاهر مسلحة.
فاستراتيجية إسرائيل العسكرية المقبلة قد تحولت من احتواء وتقليص قدرة المقاومة إلى القضاء عليها. لكن هذا التحول، إن نجح، لن يكون سهلاً على الإطلاق وسيحتاج إلى أشهر، وربما أكثر. وعلى الجانب الآخر، فإنّ تكتم المقاومة عن جنسيات جميع الرهائن يعد ضمن استراتيجية خلق الإرباك، وعدم إتاحة حرية التصرف الكاملة أمام القوات الغازية.
إنّ السيناريو الأسوأ للقوات الإسرائيلية يتمثّل بدخولها في مواجهة طويلة مع حزب الله، تستنزف من خلالها مقدراتها العسكرية، وتصبح غير قادرة على التصدي لأي هجوم محتمل من هذه الجبهة، بالتزامن مع جبهة مفتوحة مع غزة.
وكذلك الأمر، فإن الهجوم البري على غزة -إن طال- فإنه يمكن أن يتصاعد إلى صراع على جبهات متعددة في وجه إسرائيل.
وبينما تخطّط إسرائيل للقيام بعملية بريّة في غزة تهدف للقضاء على المقاومة وعلى رأسها حماس، فإنّ التاريخ الحديث في أماكن أخرى، يشيرُ إلى أنّ هذا الهدف من الممكن تحقيقه، ولكن بتكلفة هائلة بالنسبة للقوات الإسرائيلية، وأكثر من ذلك بكثير بالنسبة للمدنيين الفلسطينيين.
ولا شك أن حرب المدن، وخاصة في التضاريس الكثيفة ذات المباني الشاهقة المتعددة، كمدينة غزة، تقف في صالح المقاومين. كما أن القتال من مسافة قريبة، عادة ما يقلل من المزايا التي يتمتع بها الجانب الأكثر تفوقاً عسكرياً وتكنولوجياً، وهو الأمر الذي من شأنه أن يكسب المقاومة الفلسطينية مزيداً من الخيارات، وإلحاق خسائر فادحة بالقوات الإسرائيلية المهاجمة، وهذا هو الرعب الذي يخشاه نتنياهو.
أمّا سبب تأخير الاجتياح البري لحدّ الآن، فيرجع لامتلاك المقاومة شبكة أنفاق متطورة، وصفت بأنّها مدينة موازية تحت الأرض، بالإضافة إلى عدم توفر معلومات كاملة عنها لإسرائيل. وكذلك هناك مخاوف من فتح جبهات أخرى مع حلفاء إيران، إذا اشتعلت الجبهة الشمالية مع لبنان.
أمّا سبب تأخير الاجتياح البري لحدّ الآن، فيرجع لامتلاك المقاومة شبكة أنفاق متطورة، وصفت بأنّها مدينة موازية تحت الأرض، بالإضافة لعدم توفر معلومات كاملة عنها لإسرائيل
وأيضاً الخشية من أنه إن طالت الحرب البرية، فإنه لا يُستبعَد دخول دول أخرى الحرب كتركيا ومصر والأردن، تحت الضغط الملح من شعوبها، ولا يمكن إغفال قلق الحلفاء، سواء من الغرب أو العرب، من أن يؤدي إطالة أمد الحرب إلى اشتعال لهيب الربيع العربي من جديد.
وتخشى دوائر متعددة من تكرار تجربة الولايات المتحدة الأميركية في العراق والصومال وأفغانستان، وما جلبته من استنزاف غير مسبوق لخزائن واشنطن ولأرواح جنودها. ويشكل انعدام البديل لحركة حماس مسألة مهمة في الحرب الإسرائيلية لإعادة احتلال غزة.
وأخيراً، مع أن تل أبيب قد حسمت، فيما يظهر من تصريحات ومؤشرات، قرار الحرب البرية، فإنه لا أحد يعرف، حتى الآن، أي الخيارات ستتجه إليها.
هل تريد إسرائيل اجتياحاً كاملاً، أم توغلاً محدوداً؟ فالأيام القادمة وحدها والتطورات المستجدة كفيلة بالإجابة عن هذا السؤال.