صراع السودان.. المساحة الإعلامية لجنرالات العسكر!
منذ الأيام الأولى للصراع الدائر في السودان بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، تعرّض مبنى في محيط مقرّ الإذاعة والتلفزيون الحكوميتين في الخرطوم للقصف أكثر من مرّة، لإدراك كلا طرفي الصراع أنّ المعارك الإعلامية لا تقل أهمية عن المعركة الميدانية.
ولهذا أيضاً، كان الفضاء الاجتماعي المساحة الأبرز للمتصارعين على الأرض، لبثّ الأخبار كما أرادوها في ظلّ ظروف أمنية عقّدت عمل القنوات المحلية، وأبدت فيها تغطية هشّة للأحداث.
تصدّر المشهد في مختلف وسائل الإعلام تصريحات الجنرالات وأخبار المعارك خاصة في الأيام الأولى، على الرغم من احتدام القتال في المناطق السكنية وحول المدارس والمرافق الأساسية إلا أنّ معاناة المدنيين ومآسيهم حلّت في المرتبة الثانية.
بالنسبة لأجندة الإعلام الغربي، كانت الأولوية في التغطيات لوضع الرعايا الأجانب وحاملي جنسيات الدول الغربية، حيث ناقشت الصحف البريطانية على سبيل المثال محنة بريطانيين عالقين في السودان منذ اندلاع الاشتباكات، منها صحيفة صنداي تايمز التي عنونت في أحد تقاريرها "بريطانيون عالقون في السودان يواجهون محنة قاسية". كذلك صحيفة ذا غارديان نشرت مقالاً بعنوان "ما شاهدته كان مرعباً: بريطانيون يصلون إلى قبرص بعد فرارهم من السودان"، وفيه شهادات عن حجم المخاطر والفوضى التي شاهدها رعايا بريطانيون بعد فرارهم من الصراع.
لكن شئنا أم أبينا، فإنّ للإعلام دوراً كبيراً في قلب موازين القوى وحشد التأييد الدولي الذي قد يصل إلى تدخل مباشر في بعض الأحيان، فيما لو تمّ التركيز على معاناة الناس وتأثير الصراع على حياتهم بشكل مباشر لأنّ الإنسان هو المحور الأساسي لأي عمل صحافي.
يجب أن يبقى الإنسان حاضراً في نشرات الأخبار والتغطيات المفتوحة، وهذا لا يقلّل من أهمية التطورات الميدانية والعسكرية
فهذا الصراع الذي اندلع منذ الـ15 من أبريل الماضي، راح ضحيته آلاف الأشخاص بين قتيل وجريح، معظمهم من المدنيين، فيما ينذر الواقع بكارثة إنسانية في ظلّ انهيار القطاع الصحي.
ليست المؤسسات الإعلامية وحدها من ترك السودانيين يواجهون مصيرهم بمفردهم، بل حتى بعض المنظمات الإنسانية اضطرت إلى الانسحاب وتعليق عملها بسبب التفلّت الأمني وتعرّض طواقهما للخطر الأمني. قبل أن تعود المديرة التنفيذية لبرنامج الأغذية العالمي، سيندي ماكين، وتعلن بعد مرور ثلاثة أسابيع على الاقتتال، أنّ المؤسسة الدولية قرّرت إلغاء تعليق أنشطتها في السودان بعد أن كانت قد اضطرت لذلك بسبب مقتل ثلاثة من موظفيها هناك.
وشدّدت ماكين في تغريدة على حسابها على تويتر بأنّ هناك حاجة ملحة لتوفير الغذاء لملايين السودانيين الذي يعانون من الجوع.
كذلك صدرت تحذيرات أممية ودولية من أنّ المواجهات بين الجيش وقوات الدعم السريع ستؤدي إلى تفاقم أزمة الجوع في السودان، وجاء في بيان للمتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، أنّ حجم وتسارع وتيرة الأحداث غير مسبوق، معرباً عن قلق المنظمة من التأثير الفوري والطويل الأمد على السودان والمنطقة. كما قال منسق الشؤون الإنسانية والإغاثة في حالات الطوارئ في الأمم المتحدة، مارتن غريفيث، إنّ الوضع الإنساني في السودان وصل إلى نقطة الانهيار.
هذه التصريحات الأممية، يمكن للإعلام، من خلال دوره وفاعليته، أن يحوّلها إلى تحرّكات دولية تترجم في الميدان، سواءً على المستوى الرسمي للدول أو الجمعيات والمنظمات غير الحكومية، لو تمّ تسليط الضوء بالصوت والصورة في نقل واقع المدنيين في ظلّ صراع محتدم بين طرفي العسكر.
إنّ واجبنا كصحافيين وإعلاميين هو التركيز على الجانب الإنساني والأزمة الناتجة عنه، كما يجب أن يبقى الإنسان حاضراً في نشرات الأخبار والتغطيات المفتوحة، وهذا لا يقلّل من أهمية التطورات الميدانية والعسكرية.
وفي ظلّ اعتماد الجمهور على المنصّات الرقمية لمتابعة الأحداث الجارية، لا بدّ من نقل مأساة الواقع الإنساني المأساوي في السودان إلى الساحة الرقمية، تحديداً فيما يخص القطاع الصحي الذي شارف على الانهيار.