فرصة سعيدة شبه ضائعة اسمها سعيد صالح (11)
لم يعترف سعيد صالح بفشله كمنتج وصاحب فرقة مسرحية، بل قال إن سبب إغلاق فرقته المسرحية جاء بسبب الخسائر التي لحقت به لأنه عرض على مسرح أشبه بالخرابة في الإسكندرية، ولم يكن من بين المسارح التي يقبل عليها "جمهور الثغر"، ولذلك قرر حل الفرقة بعد أن تراكمت عليها الديون، وقام بقبول عرض بتقديم مسرحية في الكويت مع المنتج الكويتي عبد الله الحبيل الذي عرض عليه تقديم مسرحية (صادوه) فقام بتقديم أكثر من ستين ليلة عرض ناجحة مقابل الحصول على مبلغ نشرت بعض الصحف الكويتية أنه وصل إلى ثمانية آلاف دولار في الليلة وتحدثت الصحف المصرية عن حصوله على أرقام أكبر، ليقوم سعيد صالح بتسديد ديونه، ومع أنه كان في تلك الفترة منتشراً للغاية في السينما بعد أن وصلت موجة أفلام المقاولات إلى ذروتها، وكان يمكن أن يواصل الإنفاق على تجاربه المسرحية من حصيلة السينما والمسرحيات التي تصور خصيصاً للتلفزيون مثل مسرحية (الفلوس حبيبتي) التي أنتجها في مطلع الثمانينات عبر شركته (سعادة فيلم) لصالح الشركة العربية للإنتاج الإعلامي التي يمتلكها رجل الأعمال السعودي صالح كامل، إلا أن "أبو عِند" لم يعاند هذه المرة بعد أن تعلم الدرس جيداً، وقرر أن يتوقف مؤقتاً عن الإنتاج، لكنه لم يتوقف عن التلحين.
في مسرحيته الجديدة (البعبع) التي بدأ عرضها صيف 1989 في مسرح أفضل بكثير في إمكانياته وحالة كراسيه، وهو مسرح كامب شيزار بالإسكندرية، تعاون سعيد صالح مع المنتج والمؤلف المسرحي أحمد الإبياري ابن المؤلف الكوميدي الأشهر أبو السعود الإبياري، واختار المخرج عصام السيد لإخراج المسرحية التي بدأ عرضها بشيرين نجمة مسرحية (المتزوجون) ثم خلفتها سحر رامي بالإضافة إلى مظهر أبو النجا وعضوي فرقة سعيد المسرحية وصديقيه المقربين سعيد طرابيك وعهدي صادق وعدد من الكوميديانات الشباب مثل ضياء الميرغني وأحمد آدم وطلعت زكريا، ومع أن حضور سعيد في المسرحية كان أضعف بكثير وتفوق عليه أحمد آدم وسعيد طرابيك في إضحاك الجمهور، حتى أنك تشعر أحياناً أن الصفعات التي كان يكيلها سعيد صالح لأحمد آدم على خشبة المسرح كانت تعبيراً عن غيظه من عدم قدرته على مجاراة حيوية أحمد آدم وحضوره الطاغي، لكن المسرحية في نهاية المطاف حققت نجاحاً أكبر من سابقتيها (كعبلون) و(نحن نشكر الظروف)، حيث استمر عرضها حتى نهاية الموسم الشتوي لعام 1991.
ومع ذلك، لم يحرص المنتج أحمد الإبياري على استكمال التجربة مع سعيد صالح، مثلما حرص على استكمال تجربته مع سمير غانم التي استمرت لعقود، ليبحث سعيد صالح عن منتج آخر، ويقرر "أبو عِند" العناد مع الجمهور فيعيد في عام 1991 مع صديقه محمد شرشر والمخرج عصام السيد والنجمة مديحة كامل إنتاج مسرحية (نحن نشكر الظروف) تحت اسم آخر هو (حلو الكلام)، وحين لم يحالفه النجاح فيها، قال في تصريحات صحافية إنه يفكر في تغيير اسمها إلى (مر الكلام) لأن الواقع المصري والعربي لم يعد فيه إلا الأخبار المرة، دون أن يدرك أن تعثر المسرحية وعدم تواصل الجمهور معها لم تكن له علاقة باسمها، بل بمضمونها وعدم إثارتها للضحك الكافي الذي توقعه الجمهور من سعيد صالح الذي يضحك معه الجمهور في مسرحيات (مدرسة المشاغبين) و(العيال كبرت) و(هالو شلبي) كلما أذاعها التلفزيون.
في بداية التسعينات، بدأت نبرة سعيد الدفاعية عن نفسه كملحن وممثل تعلو وتصبح أكثر صخباً، بدلاً من أن يأخذ وقفة لتقييم مشواره في السنوات الأخيرة ويعيد حساباته
كانت تجربة سعيد صالح كملحن في تلك الفترة قد وصلت إلى 31 أغنية قدمها منذ أن بدأ التلحين في مسرحية (كعبلون) التي لحن فيها 15 أغنية، وواصل التلحين في مسرحية (نحن نشكر الظروف) التي لحن فيها 15 أغنية، ليقل العدد بناءً على طلب المنتج أحمد الأبياري في مسرحية (البعبع) ليصل إلى ست أغنيات فقط قدمها من كلمات صلاح جاهين وفؤاد حداد وأحمد فؤاد نجم، وحين تكرر سؤال الصحفيين له عن سر تقليص عدد ألحانه، قال سعيد إنه قام بتلحين عشرات الأغاني وأن ألحانه "تكفي جميع المطربين 15 سنة"، وظل رقم الأغنيات التي قام بتلحينها يتصاعد مع تصاعد الحوارات التي يتحدث فيها، حتى وصل في بعض الحوارات التلفزيونية في نهاية حياته إلى "ستين ألف قصيدة"، وحين كان الرقم يثير استغراب من يسمعه فيسأل سعيد صالح أين يحتفظ بنصوص الأغاني والقصائد التي قام بتلحينها، كان سعيد يجيب ضاحكاً "يعني ييجي ستين ألف قصيدة ويمكن أقل شوية"، لكن الرقم الذي ظل متواتراً حتى مطلع الألفية الثالثة وأعتقد أنه الأكثر واقعية هو رقم 350 أغنية قام بتلحينها من كلمات بيرم التونسي وأحمد فؤاد نجم وصلاح جاهين، بالإضافة إلى قصيدة من كلمات نزار قباني، وكلها أعمال قام سعيد صالح بتلحينها "بالمحبة" ودون الحصول على حقوق من ورثة الشعراء.
مؤكداً لكل من يسأله عن المكان الذي تعلم في الموسيقى أنه تعلم قواعد التلحين على يد صديقيه فهمي أمان وعبد الوهاب البمبي الذين درباه على عزف العود وحفظ المقامات الموسيقية "بالحس" طبقاً لتعبيره.
في بداية التسعينات، بدأت نبرة سعيد الدفاعية عن نفسه كملحن وممثل تعلو وتصبح أكثر صخباً، بدلاً من أن يأخذ وقفة لتقييم مشواره في السنوات الأخيرة ويعيد حساباته، ليركز هجومه على الإنتاج المسرحي الذي قام بتحميله مسئولية فشل وتعثر المسرح المصري، وبدأت الصحف تتسابق في نشر حوارات مليئة بالهجوم الذي يشنه سعيد صالح على زملائه وعلى رأسهم عادل إمام، وأعلن أنه سيتوقف عن التقصير في حق نفسه سينمائياً، وسيقوم بإنتاج فيلم من تأليف صديقه مدرس اللغة الإنجليزية محمد شرشر والذي كان قد تعاون مع المخرج علي بدرخان في كتابة فيلم (الراعي والنساء)، وحين توقف مشروع الفيلم أعلن سعيد صالح أنه سيقوم بإنتاج مسلسل عن سيد درويش بالاشتراك مع قطاع الإنتاج، لتحتفي الصحف بعدها بالخطوة الجريئة التي قرر سعيد صالح أن يتخذها في ربيع عام 1991 حين قرر ترك القطاع الخاص وبدء التعاون مع هيئة قصور الثقافة أو "الثقافة الجماهيرية" لتقديم مسرحية (شُرُم بُرُم) التي لعب فيها دور بيرم التونسي من خلال نص أعده الكاتب سيد خميس وأخرجه عصام السيد، وأخذ سعيد راحته في تلحين عدد كبير من أغنيات بيرم التونسي، معلناً أنه سيضحي بالأجر الذي يحصل عليه من القطاع الخاص والذي كان يصل إلى 200 ألف جنيه في المسرحية، وهو رقم ضخم وقتها.
بدأ عرض المسرحية بالفعل في حديقة الخالدين في القاهرة، وحين طلب حسين مهران رئيس هيئة قصور الثقافة في يونيو عام 1991 أن يتم عرض المسرحية في مسرح قصر ثقافة الأنفوشي بالإسكندرية، دخل في خلاف حاد مع سعيد الذي أصر على استمرار العرض في حديقة الخالدين، وقال إنه تلقى وعداً بعرض المسرحية في العديد من الأحياء الشعبية بالقاهرة، لكن حسين مهران قال في تصريحات للصحف إن سبب الخلاف بينه وبين سعيد هو رفضه طلب سعيد صالح برفع سعر التذكرة ورفع أجره، لكن سعيد قام بتكذيبه وقال إنه تنازل عن أجره في المسرحية ثلاث مرات، وأنه مستعد لدفع أجور العاملين في المسرحية من جيبه، لأنه سيظل ينفق مما يكسبه في السينما على عمله في المسرح، لأنه يؤمن بأنه يقدم زكاته في المسرح، ولذلك لم يمانع في الحصول على أجر قدره عشرة آلاف جنيه تصل بعد الضرائب إلى ستة آلاف جنيه، وكان ينفق من جيبه على الممثلين والعازفين، لكنه فوجئ بعد شهر بإغلاق المسرحية لعدم وجود ميزانية، لكنه يعتقد أن السبب الحقيقي هو أن هناك أجهزة في الدولة تخاف من فكرة تقديم المسرح في الشارع لبسطاء الناس، وبعد أن ظلت أخبار خلافات سعيد صالح مع مسئولي قصور الثقافة ووزارة الثقافة تشغل الصحف والمجلات الفنية، تراجعت تلك الأخبار في خريف 1991، لتظهر أخبار سعيد صالح من جديد في صفحات الحوادث.
...
نكمل غداً بإذن الله.