قصصنا غير المكتملة
في نهاية العرض المسرحي وقف أحد المشاهدين يسأل الكاتب عن سبب نهاية العرض الحزينة، قائلاً له: "لماذا كان على البطل أن يموت في النهاية؟"، فأجابه الكاتب بأنّ "الشخص الحقيقي مات بالفعل، وعليه لا يمكن أن نغيّر النهاية". فعاد ليسأله: "ولكن لم الحزن والقهر والظلم؟"، فعاد المؤلف ليكمل، قائلاً إنّ القصة حقيقية، ولا يمكننا أن نتلاعب بتفاصيلها!
هنا قرّر المشاهد أنّ الأمر أقنعه، لكنه عاد ليسأل: ماذا عن الذين قتلوه؟ ماذا حدث لهم بعدها؟ وكيف استمرت حيواتهم وكيف انتهت؟ ولماذا ينتصر الشر دوماً في هذه الحياة؟
هنا لن أذكر جواب المؤلف لأقتبس الجملة الختامية لأعداد سلسلة ما وراء الطبيعة للراحل أحمد خالد توفيق، "ولكن هذه قصة أخرى".
كلنا قصص غير مكتملة بشكل أو بآخر، للمحيطين بنا في الأغلب، وأحياناً لأنفسنا.
طوال الوقت، نستمع لأحدهم يتحدث مع شخص آخر، أو عبر الهاتف في السوق، أو في العمل، أو المواصلات... كما نستمع للكثير من التفاصيل التي يشاركها معنا الآخرون بقصد أو بدون.
نرى حادثاً أو نسمع عن آخر، نعرف الكثير من الحكايات طوال الوقت عندما تتقاطع طرقنا مع الآخرين، وتنتهي معرفتنا دائماً عند وصولنا إلى نهاية الطريق، فيذهب كلّ منّا في طريق مختلف، تاركاً جزءاً من قصته غير المكتملة، لنبدأ مع أشخاص جدد وحكايات وقصص جديدة لا نعلم إذا كنّا سنصل إلى نهايتها ونعرف كلّ ما يخصّها كما أراد المشاهد أو لا.
كلنا قصص غير مكتملة بشكل أو بآخر، للمحيطين بنا في الأغلب، وأحياناً لأنفسنا
على الجهة الأخرى، تعطينا الحياة الكثير والكثير من التفاصيل التي لم نسأل عنها أو نهتم بشأنها، فنجد أنفسنا محاطين بالكثير من القصص التي لا ناقة لنا فيها ولا جمل، ونجد أنفسنا منغمسين للغاية مع الحكاية لدرجة تشغلنا عن حكاياتنا الخاصة.
ننشغل باحثين عن النهاية المنطقية العادلة التي توافق تخيّلاتنا عن الحياة، وتوافق معتقداتنا وأفكارنا الخاصة التي تمثلنا وحدنا، فيبحث كلّ منّا عن نهايته السعيدة للحكاية نفسها، لينتهي بنا الأمر جميعاً تائهين لا ندري شيئاً معظم الوقت، ومحبطين في الحالات التي نرى فيها الخاتمة والصورة الكاملة التي كنّا ننتظرها لأنها لم توافق الخاتمة التي انتظرناها.
ننتظر من الحياة أن تكافئ العدل والحق، وننتظر السعادة والاطمئنان بلا حساب، على الرغم من افتقار معظمنا إلى كلّ ما سبق ذكره.
ننتظر أن تكافئنا الحياة، ولو في الخيال، بنهايات سعيدة، وربما كان هذا هو الانتظار الوحيد المنطقي الذي نستحقه ويجب علينا أن نبحث عنه طوال الوقت، ولا يمكن لأحد لومنا على هذا، وهذا فقط.
نخطّط لأنفسنا طوال الوقت، ونرسم مسار لحيواتنا وحكاياتنا الخاصة التي نكتبها ونظلّ نؤدّي دورنا في الحكاية حتى ينتهي وقتنا، فلا تعود المعرفة تهمنا، لنترك وراءنا من يتساءل عن نهاية الحكاية: وهل ينتصر الخير في النهاية أم يسيطر الشر المطلق، أم يظلّ سؤاله معلّقاً هكذا بلا إجابة؟!