قوانين تنتهك الحريات.. "أميني" تفارق الحياة

18 سبتمبر 2022
+ الخط -

"لم تموتي وسيكون اسمك رمزاً"، العبارة التي كتبت على شاهد قبر مهسا أميني، تناقل الآلاف من رواد مواقع التواصل الاجتماعي صورة شاهد القبر، مرددين هذه العبارة، بالتزامن مع المظاهرات والاحتجاجات في الشوارع الإيرانية والفضاء الرقمي بعد تشييع جنازتها.

مهسا التي كانت تسافر مع عائلتها من إقليم كردستان بغرب إيران إلى العاصمة طهران، لزيارة أقاربها عندما ورد أنه ألقي القبض عليها بسبب عدم التزامها بالقواعد الصارمة في البلاد بشأن ملابس النساء، وبعد احتجازها لدى شرطة الأخلاق توفيت الفتاة، حيث تتضارب روايتان حول ظروف وفاتها، يفيد شهود عيان بتعرضها للضرب المبرح على رأسها ما أدى إلى دخولها في غيبوبة ووفاتها في ما بعد، بالوقت الذي تنفي فيه الشرطة الإيرانية ذلك، علماً أنها قامت بنشر فيديو يظهر عدم تعرضها للضرب، وأن أسباب الوفاة نتيجة لنوبة قلبية، الأمر الذي عارضته عائلة أميني، وقالت إنها بصحة جيدة ولا تعاني من أي مشكلات صحية.

جاءت هذه الحادثة في الوقت الذي تخطط الحكومة الإيرانية لاستخدام تقنية التعرّف على الوجه في وسائل النقل العام لتحديد النساء اللواتي لا يمتثلن لقانون جديد صارم بشأن ارتداء الحجاب، حيث يواصل النظام حملته العقابية المتزايدة على ملابس النساء، وقد أعلن سكرتير هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في إيران، محمد صالح هاشمي كلبايجاني، في مقابلة حديثة أن الحكومة تخطط لاستخدام تكنولوجيا المراقبة ضد النساء في الأماكن العامة، بعد المرسوم الجديد الذي وقّع عليه الرئيس الإيراني في 15 أغسطس/ آب المنقضي، وذلك بعد قرابة الشهر من "يوم الحجاب والعفة" في 12 يوليو/تموز، الذي أثار احتجاجات في جميع أنحاء البلاد من قبل النساء اللائي نشرن مقاطع فيديو لأنفسهن على وسائل التواصل الاجتماعي ورؤوسهن مكشوفة في الشوارع وفي الحافلات والقطارات، في الأسابيع الأخيرة، ردت السلطات الإيرانية بسلسلة من الاعتقالات والعمليات القمعية.

يكمن انتهاك النظام الإيراني في أصل اعتقالها، وهذا تجاوز للقيم الإنسانية

وتأتي حادثة اعتقال مهسا في سياق تطبيق القانون الجديد، الحادثة التي أشعلت الشارع الإيراني وحظيت بتضامن عالمي، فيما ضجت وسائل التواصل الاجتماعي بالخبر والمنشورات التضامنية على مستوى العالم كله، رد الإعلام الرسمي الإيراني والمؤسسات الإعلامية الممولة من النظام الإيراني بما تشكل من إعلام تقليدي ورقمي، بزيف ادعاء تعرض مهسا للضرب، من خلال ترويج فيديو مراقبة يعود للشرطة الإيرانية، والقول إن القوى الأجنبية تقف وراء الحملة وتوظيف نظريات المؤامرة والاستهداف، مما خلق رأياً عاماً رقمياً موالياً لتصريحات النظام الإيراني، الأمر الذي تسبّب في "بلبلة" وأخذ وردّ بين الجمهور الموالي للنظام الإيراني وبين المتفاعلين والمتضامنين مع مهسا أميني، حيث ردد جمهور النظام الايراني بأن الحادثة مؤامرة وتزييف، وأن الفتاة لم تتعرض للضرب، وأسباب الوفاة تعود إلى إصابتها بنوبة قلبية.

ومما لا شك فيه أن النظام الإيراني تمكّن إلى حد ما من خلال مؤسساته الإعلامية المختلفة، من حرف نظر بعض الجماهير عن القضية الأساس التي تتمثل باعتقال شرطة الأخلاق للفتاة، والذي يعتبر انتهاكاً لحقوق الإنسان، الذي ينص إعلانه العالمي في مادته 18: "لكل فرد الحق في حرية الفكر والوجدان والدين"، ويذكر أن إيران قد وقّعت عليه، وبالتالي مطالبة الالتزام به؛ إلى الغوص بتفاصيل صحة الفيديو المنشور وأسباب وفاة مهسا (الذي يحتاج إلى تحقيق جدي شفاف وصريح، يتم من خلاله إطلاع الرأي العام على ظروف الوفاة ومحاسبة الفاعلين)، وتناسي القضية الأصل التي تنال من حرية المرأة والأساليب القمعية التي ينتهجها النظام الإيراني حيال مسألة لباس المرأة، والقوانين المحدثة التي ذكرناها أعلاه، التي تنتهك حقوق الإنسان.

السادة المدافعين عن أداء النظام الإيراني في هذه القضية الإنسانية، دائماً يجب أن نفصل بين القضايا الإنسانية والتأييد السياسي أو العقائدي، إذ يكمن انتهاك النظام الإيراني في أصل اعتقالها، وهذا تجاوز للقيم الإنسانية، والمبادئ الإنسانية لا تتجزأ، فإما أن نكون مع الإنسان المظلوم أياً كان فكره وعقيدته ورأيه، أو نكون مع الظالم، لا طريق ثالثا في هذه القضايا.

دلالات
راغب ملي/ فيسبوك
راغب ملي
مدير الاتصال الرقمي في مركز أبحاث الحكومة الإلكترونية، كاتب وباحث ومتخصص في مجال إدارة مواقع التواصل الاجتماعي.