"كلب ترامب" يحتفي بمقتل البغدادي
أميركا وإدارة دونالد ترامب مشغولتان هذه الأيام بقصة الكلب الذي أصيب في الغارة التي نفذتها القوات الأميركية الخاصة على المجمع الذي كان يقيم فيه زعيم تنظيم داعش أبو بكر البغدادي في إدلب السورية وانتهت بمقتله.
وعندما تطالع وسائل إعلام أميركية ووكالات أنباء عالمية، بل وصحفاً عربية، تشعر بأنه لا حديث لديها ولا اهتمام إلا عن هذا الكلب الذي قام بعمل عظيم على حد وصف ترامب ورئيس أركان القوات المسلحة الأميركية والذي طارد البغدادي أثناء ملاحقته في أحد الأنفاق وتعقبه حتى مقتله.
وعلى غرار أفلام هوليوود المثيرة تفرج إدارة ترامب والجيش الأميركي عن لقطة لقطة، ومشهد مشهد، من فيلم نسجوه إخراجاً وتأليفاً حول الكلب الذي أصيب خلال عملية مطاردة البغدادي؛ رتبته، مكانته في الجيش، الدور الذي قام به في مقتل البغدادي، عدد القفزات التي قام بها من البيت الذي يقيم فيه الزعيم القتيل وحتى دخوله النفق الذي فر إليه، آخر حالته الصحية، صورته.
في البداية يرفض البيت الأبيض ومعه الجيش الأميركي الكشف عن اسم الكلب المصاب، وتكتفي الجهتان بإصدار بيان يؤكد أن الكلب أصيب بجروح طفيفة بعد أن شارك في العملية، وأن البغدادي، وهو يحاول الهرب من القوات الأميركية، لجأ إلى نفق "وكانت كلابنا تطارده"، وأن زعيم تنظيم داعش "قتل وهو يصرخ ويبكي" كما قال ترامب.
ولدى إعلانه تفاصيل مقتل البغدادي تحدث ترامب عن إصابة الكلب الذي أطلقته القوات الخاصة في إثر البغدادي، وقال إن الكلب أصيب في العملية بعد أن دخل النفق الذي قتل فيه البغدادي نفسه بحزام ناسف. ولم ينس بعدها ترامب أن يغرد، إذ خرج مشيداً بالكلب الجندي المقاتل الذي يعمل في وحدات الجيش الأميركي.
وزيادة في التشويق والإثارة رفض رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة الجنرال مارك ميلي الإدلاء بأي معلومات عن الكلب في المؤتمر الصحافي الذي عقده بوزارة الدفاع عقب الكشف عن مقتل البغدادي. وقال "لن نكشف عن اسم الكلب في الوقت الحالي. لا يزال الكلب في مسرح العمليات. الكلب الذي يعمل في الجيش، أدّى مهمة هائلة مثلما يفعل الجميع في مختلف المواقف". ولم يقدم ميلي تفاصيل إضافية عن الكلب المقاتل، واكتفى بالقول إن كلباً كان ضمن وحدة النخبة التي شنت الهجوم على زعيم تنظيم داعش أنجز مهام، الكلب أصيب بجروح طفيفة في العملية ويتعافى بشكل تام.
ونصل إلى قمة الحبكة الدرامية حينما تلهث وسائل الإعلام الأميركية محاولة معرفة أي تفاصيل متعلقة بالكلب الشجاع، صورته، اسمه، فيأتي الحل من عند ترامب الذي رفع السرية عن صورة الكلب، قائلاً في تغريدة "رفعنا السرية عن صورة الكلب الرائع الذي أدى عملاً عظيماً في أسر وقتل زعيم داعش". بل وتطوع ترامب حينما نشر بنفسه صورة للكلب الذي تعقب البغدادي في النفق الذي هرب إليه عندما حاصرته قوات أميركية في إدلب، وسارعت وكالات الأنباء لكتابة كلمة حصري على صورة الكلب المنشورة وأنه لا يجوز نسخ الصورة أو إعادة نشرها أو استخدامها في الحملات الإعلانية والدعائية والتسويقية.
لكن زيادة في عنصر التشويق تم حجب اسم الكلب عن وسائل الإعلام العالمية وحماية هويته، إذ غرد ترامب على حسابه في "تويتر" قائلاً "لقد رفعت السرية عن صورة للكلب الرائع (ولن أرفع السرية عن اسمه)، والذي قام بمهمة عظيمة، حيث ساهم في القبض على زعيم داعش وقتله". وحظيت تغريدة ترامب بإشادة واسعة في أميركا، وتم نشر صورة الكلب على معظم قنوات التلفزة الأميركية.
ولا يزال فيلم كلب الجيش الأميركي متواصلاً ولم يصل إلى نهايته، حيث لا تزال وسائل الإعلام الأميركية تلهث وراء اسمه وكنيته وبعدها التعرف إلى تاريخ حياته وفصيلته والأدوار العظيمة التي قام بها داخل الجيش الأميركي.
لا مانع لدي من اهتمام ترامب وإدارته وجيشه وإعلامه وجمهوره هذا الاهتمام المبالغ به بالكلب الذي تعقب البغدادي داخل النفق الذي أوى إليه، لكن يجب التنبيه في المقابل إلى الممارسات العنصرية التي تقوم بها الحكومات الأميركية حول العالم ضد البشر والتي تصل إلى حد قتل مئات البشر طالما أن هؤلاء لا يحملون الجنسية الأميركية أو الجرين كارد ولا يسبحون بمزايا وخروقات الكلب الذي لم يعرف أحد اسمه بعد، حدث ذلك في الحاضر القريب داخل سورية، وقبل سنوات في العراق عقب احتلاله من قبل القوات الأميركية في عام 2003، وقديماً ضد الهنود الحمر الذين تم تدمير منازلهم وتهجيرهم جماعياً وحرق محاصيلهم، بل وصل الأمر إلى قتل ما يقرب من 18 مليون شخص من الهنود.
التاريخ القريب يقول إن الولايات المتحدة ارتكبت جرائم حرب ضد العرب، خاصة في حرب الخليج الأولى والثانية، في عام 1991 مثلاً دخلت أميركا على رأس تحالف دولي لتحرير الكويت، وخلال العملية تم إلقاء 880 ألف طن من القنابل التي أسفرت عن قتل نحو 200 ألف عراقي وإصابة أكثر من نصف مليون، إضافة إلى إصابة عشرات الآلاف بمرض السرطان بسبب إلقاء قنابل اليورانيوم المخصب على الأراضي العراقية. وساعتها قصفت الطائرات الأميركية ملجأ العامرية الشهير، وهو ما أدى إلى قتل 400 عراقي وجرح أكثر من 1500 آخرين. وقتلت الولايات المتحدة أكثر من مليون عراقي حينما فرضت حصاراً وعقوبات شاملة ضد العراق، وبسبب العقوبات مات نصف مليون طفل أيضاً خلال عقد التسعينيات فقط.
وفي عام 1999 أمطرت قوات التحالف الأميركي ـ البريطاني العراق بوابل من القنابل والصواريخ أدى إلى سقوط مئات الضحايا وآلاف المصابين وتدمير البنية الأساسية والمنازل لإجبار صدام على دخول المفتشين الدوليين بزعم حيازة النظام العراقي برنامجاً نووياً، وهو ما ثبت عدم صحته في سنوات لاحقة.
وفي التاريخ القديم سحقت أميركا البشر ومارست جرائم إبادة وقتلت الآلاف حينما غزت العديد من دول العالم، نيكاراغوا 1833، بيرو 1835، المكسيك 1846، وفي 1855 شنت عمليات عكسرية بهدف غزو أوروغواي والسيطرة على قناة بنما، الممر المائي العالمي الشهير.
وفي القرن الـ 19 غزت أميركا كولومبيا مرات عدة، تلتها هايتي 1888، ثم تشيلي 1891، وأعادت اجتياح نيكاراغوا عام 1894، ثم غزت كوبا واستولت عليها في 1901، واشتركت أميركا في الحرب العالمية الثانية التي أنهتها بإلقاء قنبلتين ذريتين على هيروشيما وناجازاكي لتقتل نحو 200 ألف وتشوه مئات الآلاف من البشر.
حسناً فعلت إدارة الرئيس الأميركي مع الكلب الذي لم نعرف اسمه بعد، لكن هل يدرك ترامب وإدارته هذا التاريخ الأسود من الغزو وسحق البشر وممارسة أبشع أنواع التعذيب ضد البشر حينما يحتفيان بالكلب الذي شارك في مطاردة زعيم تنظيم داعش؟