مأساة الواقع الاجتماعي المغربي
عبد السلام المساتي
تمرّ الأسر المغربية بواحدة من أحلك الفترات الاجتماعية عبر التاريخ، وذلك بفعل الارتفاع المهول في أسعار كلّ المواد الأساسية التي يستهلكها المواطن المغربي البسيط بشكل يومي من زيت وسكر وشاي وقهوة... هذا الارتفاع المهول في الأسعار قابله فقدان الكثير من المغاربة لمصادر رزقهم بفعل تبعات جائحة كورونا، وأيضا قابله رفض الحكومة رفع أجور العاملين، سواء في القطاع العام أو الخاص.
وفي ظلّ هذا الوضع، كان من البديهي أن تقودنا معادلة الأسعار المرتفعة والأجور الثابتة إلى نوع من اللا استقرار الاجتماعي الذي فقدت معه أغلب الأسر المغربية، المنعدمة الدخل والمتوّسطة الدخل، توازنها، مما اضطرها للخروج إلى الشارع للاحتجاج ضد هذا الواقع الذي تعاملت معه الحكومة بنوع من البرود والارتجالية غير المفهومين، قبل أن تبعث بعض الإشارات بنيتها تقديم دعم نقدي مباشر للأسر المعوزة.
الغريب في الأمر، أنّ رئيس الحكومة الحالي السيد عزيز أخنوش، كان هو من اعترض على مشروع الدعم المباشر الذي جاءت به حكومة السيد عبد الإله بنكيران، وبعده السيد، سعد الدين العثماني، بل والأسوء من ذلك، أنّ السيد عزيز أخنوش، باعتباره رئيساً لحزب التجمع الوطني للأحرار، كان قد اشترط إلغاء مشروع الدعم المباشر للأسر الفقيرة مقابل أن يقبل بالمشاركة في حكومة 2016. وهو ما يفسره بن كيران وأعضاء في حزب العدالة والتنمية المغربي بالنيّة المسبقة لعزيز أخنوش في استغلال الفقراء عبر عملية "جود" أو "قفة رمضان" خلال الانتخابات الموالية، وهو نفس ما ذهب إليه رأي حزب الاستقلال قبل أن يتحالف مع حزب التجمع الوطني للأحرار وحزب الأصالة والمعاصرة لتشكيل الحكومة الحالية، التي فجأة تذكرت أنّ الفقراء المغاربة يحتاجون لدعم مباشر.
التعامل بوجهين مع قضايا المواطن المغربي من قبل المسؤولين المغاربة هو ما يفسر ترتيبنا المتدني في التقرير الأخير لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي المتعلق بالتنمية البشرية
هذا التعامل بوجهين مع قضايا المواطن المغربي من قبل المسؤولين المغاربة هو ما يفسر ترتيبنا المتدني في التقرير الأخير لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي المتعلق بالتنمية البشرية، إذ احتل المغرب الرتبة 123 متموقعاً بعد العراق ولبنان ومصر والفيليبين وتونس والأردن... فالواضح أنّ الشغل الشاغل للحكومات المغربية المتعاقبة هو تلميع الصورة السطحية للبلد عبر الاهتمام بالبنية التحتية والبنية الجمالية في مقابل تغييب البرامج والمشاريع التي من شأنها أن تساهم في تنمية الإنسان المغربي وتعيد له توازنه الاجتماعي. هذا الإيمان الحكومي بالمنطق المقلوب (الحجر قبل البشر) هو ما أوصلنا إلى ما نحن عليه اليوم من أرقام مرتفعة في:
-نسب الفقر، إذ انتقل معدّل الفقر المطلق إلى 3% على المستوى الوطني سنة 2021.
-نسب الشباب العاطل عن العمل: 61.2% من حاملي الشهادات العليا، 30.4% من حاملي شهادات ذات مستوى متوسط، 12.9%من الشباب بدون شهادة.
-النسب المرتفعة جدا للطلاق: حوالي 300 ألف حالة طلاق سنة 2022 أي أزيد من 800 حالة يوميا.
هذا الواقع الاجتماعي المغربي المقلق، قد يصبح أكثر سوءاً، خاصة في ظلّ تأزم الوضع العالمي المتسم بالحرب الروسية الأوكرانية التي بدأت تتخذ منحى أكثر جدية وخطورة، ما سيؤثر حتماً على باقي بلدان العالم، خاصة النامية منها، لذلك فالأمر يحتاج إلى إجراءات أكثر واقعية من قبل الحكومة المغربية، حتى لا نصل إلى ما هو أسوء.