ماذا يعني اختيار السنوار لقيادة حركة حماس؟
ظاهر صالح
في خضم زخم من التكهنات والتحليلات الواسعة التي ملأت الفضاء العام، وبرغم كل التخمينات التي راجت مؤخرًا حول الشخصية القادرة على خلافة القائد الشهيد إسماعيل هنية، كشفت حركة المقاومة الإسلامية حماس، في مساء يوم أمس الثلاثاء 6 أغسطس/ آب 2024، عن خطوةٍ جريئةٍ ورمزيةٍ في آنٍ واحد.
فقد اختارت يحيى السنوار، القائد الذي عُرف بجلده وبسالته في مواجهة الاحتلال من غزة المحاصرة، ليترأس مكتبها السياسي، مؤكدةً عزمها وثباتها في مسيرة النضال الطويلة. هذا التعيين ليس مجرد إعلان عن صمود المقاومة فحسب، بل هو تأكيد لاستراتيجية الحركة في التجديد والمحافظة على جذوة المقاومة كفلسفة قائمة وحتمية لاسترجاع حقوق الشعب الفلسطيني المسلوبة. إن تثبيت السنوار في هذا المنصب يُعد بمثابة رسالة قوية، تُبرز الإيمان العميق بالقيادة، حتى في أعتى الظروف.
لا تُعد مبالغةً الإشادة بدهاء هذا الفعل السياسي الذي قامت به حركة المقاومة الإسلامية حماس، فهو يُظهر بجلاء أن البعد السياسي لا يقل شأنًا عن الفعل العسكري. المقاومة، من خلال هذه الخطوة، لم تعمل فقط على تحدي الاحتلال وحلفائه، بل أيضًا على إرباك المشهد الدولي المأزوم و المتخم بـالبروباغاندا الإعلامية التي تسعى لتشويه صورة المقاومة، والترويج والتضليل بأن عملية "طوفان الأقصى" كانت فعلاً انتحارياً جلب لغزة الدمار، وليس رد فعل مقاوماً للاحتلال والتخاذل والتواطؤ الدولي الذي يدعم الظلم والاستعمار.
ربما تكمن الرسالة الأعمق في اختيار يحيى السنوار لرئاسة مكتب حماس السياسي في تأكيد الحركة وحدتها وتماسكها الداخلي
ربما تكمن الرسالة الأعمق في اختيار يحيى السنوار لرئاسة مكتب حماس السياسي في تأكيد الحركة وحدتها وتماسكها الداخلي، فهي تقف صلبة، متحدة الصفوف، متجاوزة تحديات الاغتيالات التي طاولت قادتها. "إذا غاب سيّد قام سيّد"، هذه الكلمات التي قالها القائد السابق إسماعيل هنية، تصدح اليوم كإعلان عن استمرارية وقوة، بما يؤكد أن فقدان قائد لا يعني نهاية المسيرة أو حدوث فوضى داخل الحركة. إنها تجسيد لفلسفة تعتمد على القوة والمرونة في آن معاً، حيث يُعيد كل جيل تأكيد التزامه بمواصلة الطريق، مهما كانت التحديات.
إضافة إلى ذلك، يتمتع يحيى السنوار بفهم عميق ومعرفة واسعة بعقلية ونفسية المحتل، نتاج تجربة استثنائية دامت أكثر من عقدين في السجون الإسرائيلية. خلال تلك السنوات، لم يكتف السنوار بتعلم اللغة العبرية بطلاقة، بل كان يمضي وقته في متابعة الصحف الإسرائيلية والبرامج التلفزيونية بشغف، مستخلصًا منها فهمًا عميقًا للعقلية الإسرائيلية. هذه المعرفة التي حصدها بين جدران الزنزانة، أصبحت اليوم أداة استراتيجية يوظفها في مقاومة الاحتلال. حتى الضابط السابق بالمخابرات الإسرائيلية مايكل ميلشتاين يقرّ بأن السنوار "يفهم حقاً كيف سيتصرف الإسرائيليون، وكيف يفكرون، وكيف سيردون".
لا شك في أن قرار اختيار السنوار رئيساً للمكتب السياسي لحركة حماس له دلالات وأبعاد ورسائل سياسية للاحتلال ولحلفائه، إذ يمكن قراءة قرار الحركة بوضوح في ظل الوضع الحالي، بعد اغتيال هنية في طهران تأكيداً لعدم رغبة نتنياهو في إتمام أي صفقة وإصراره على أن تستمر الإبادة في غزة وإشعال الحرب الإقليمية بدعم أميركي، فيأتي الرد كجزء من رد محور المقاومة على اغتيال الشهيد إسماعيل هنية في طهران، وعنجهية نتنياهو، وتأكيد أن الاحتلال لم يحقق إلى اليوم أياً من أهدافه المعلنة، بل ما زال يتكبد الخسائر وأن يوم السابع من أكتوبر سيظل عالقاً في الذاكرة كنكبة للاحتلال لن تُمحى.
حركة المقاومة حماس، رغم انشغالها بالمعركة في الميدان، لا تزال تلتزم بدورها الأساسي على الصعيد الوطني الفلسطيني، حيث ترى أن المقاومة ليست مجرد سلسلة من الاشتباكات العسكرية؛ بل هي مسارات متشابكة ومتواصلة من العمل المقاوم نحو التحرر من قبضة الاحتلال، ويأتي اختيار يحيى السنوار تحدياً لغرور الاحتلال وقادته، حيث العدو الأكثر شهرة في شوارع الاحتلال وبين جماهيره ما زال يقف بقوة ويقاوم، وما زالت تقف خلفه المقاومة الفلسطينية منذ السابع من أكتوبر معلنةً أنه لا سبيل غير الندية في مواجهة الاحتلال.
أخيراً، أستذكر في هذه اللحظة التاريخية القائد الشهيد إسماعيل هنية، الذي قدم في سيرته القيادية نموذجاً للقيادة الشجاعة والحكيمة والمنفتحة، وأعيد كلمته "إذا غاب سيد قام سيد"، فدرب التحرير لا ينقطع بموت الأبطال، ففي أرض غزة، ينمو المقاومون كالبذور؛ كل شهيد يُدفن، ينبت من دمه مقاومٌ أشد تصميمًا وأكثر عطشًا لتحرير هذه الأرض. كأن الأرض نفسها تتحدى الاحتلال وتتوج مقاوميها بإرادة لا تلين.