هل تأتي انتفاضة الطلّاب بتغيّرٍ جديد؟
ظاهر صالح
على امتدادِ المدنِ الأميركية، من لوس أنجلوس إلى نيويورك، ومن واشنطن إلى أتلانتا، تتسع رقعةُ المظاهرات التي تُعبّر عن تضامنها مع الشعب الفلسطيني، حيث تشهد الجامعات الرفيعة مثل هارفارد، ويال، وكولومبيا، وبرينستن، نموذجاً حيّاً لتجدّد روح الاحتجاج الطلّابي الذي يُذكرنا بمظاهراتِ الستينيات ضدَّ حرب فيتنام.
لم تعدِ المظاهرات تقتصر على الشوارع فحسب، بل تعدّتها إلى أروقةِ الجامعات، حيث يَنصبُ الطلّاب خيامهم احتجاجاً على الدعم العسكري الأميركي لإسرائيل، مطالبين بوقفِ حربِ الإبادةِ التي تُشنُّ ضدَّ الفلسطينيين في قطاع غزّة منذ أكثر من نصف عام، وبالعدالة التي يتغاضى عنها العالم. وفي الوقت نفسه، تواصل الحكومة الأميركية برئاسة، جو بايدن، تقديم الدعم الكامل للاحتلال، عسكرياً وسياسياً ومادياً، منذ بداية الحرب.
ولم تَرُقْ هذه المظاهرات الرئيسَ بايدن وإدارتَه، إذ تقوم شرطة مكافحة الشغب في كثيرٍ من الأحيان بإجلاء الطلّاب، بناءً على طلبِ إدارة الجامعة، في محاولةٍ لتبريرِ قمع الطلبة. وكما جرت العادة غربيّاً، لجأتْ إدارة جامعة نيويورك إلى استخدامِ فزاعةِ معاداة السامية، زاعمةً أنّ ثمّة هتافات مُرعبة والعديد من الحوادث المعادية للسامية قد وقعت خلال المظاهرات (بحسب وصفهم)، في تجاهلٍ تامّ لمسألةِ أنّ الطلبة يتظاهرون احتجاجاً على إبادةٍ جماعية يرتكبها الاحتلال ضدَّ أكثر من مليوني فلسطيني في قطاع غزّة، والتي أدّتْ إلى قتلِ وجرحِ أكثر من 110 ألف منهم، وتشريد البقية.
تزايد الوعي والنقد الطلابي تجاه السياسات الخارجية الأميركية
فرضت انتفاضة الطلّاب في الولايات المتحدة الأميركية نفسها على مشهدِ الإعلام الأميركي بعد التدخل الأمني لقمعها، في مشهدٍ يهدّد الصورة الديمقراطية لأميركا وشعاراتها المتعلّقة بحريّة التعبير والتجمّع السلمي.
تأتي الاحتجاجات الجديدة في وقتٍ يُواجه فيه الرئيس الأميركي، جو بايدن، ضغوطاً سياسية متزايدة بسبب استمرار الهمجية الإسرائيلية في غزّة وتدهور الوضع الإنساني للفلسطينيين في القطاع. هذه الاحتجاجات تأتي في أعقاب اعتقال السلطات الأميركية لمئات الطلاب المعتصمين في خيام بجامعات مرموقة مثل كولومبيا وييل ونيويورك وغيرها، بالإضافة إلى اعتقال مدرّسين وأعضاء هيئات التدريس بتُهمٍ وادّعاءات واهية، كمعاداة السامية.
وفي هذا السياق، أطلق الطلّاب دعوات لوقفٍ دائمٍ لإطلاقِ النار في غزّة، وإنهاء المساعدات العسكرية الأميركية للاحتلال، ووقفِ استثمارات الجامعات وسحبِها من شركات توريد الأسلحة وغيرها من الشركات المستفيدة من الحرب، والعفو عن الطلّاب وأعضاء هيئة التدريس الذين تعرّضوا لإجراءاتٍ تأديبية، أو الطرد بسبب الاحتجاج. وتختلف هذه المطالب بين جامعة وأخرى، ويمكن إجمالها بما يلي: التوقف عن التعامل مع الشركات المصنّعة للأسلحة العسكرية التي تزوّد الاحتلال الإسرائيلي بالأسلحة، وعن قبول الأموال من الاحتلال الإسرائيلي للأبحاث التي تساعد الجهود العسكرية للكيان، وعن استثمار المنح الجامعية مع رجال الأعمال الذين يستفيدون من الشركات أو المقاولين في الاحتلال الإسرائيلي، والشفافية بشأن الأموال التي يتم تلقيها من الاحتلال والأغراض التي تُستخدم فيها.
روح جديدة تسود النخب الشابة اليوم، تُنذر بمستقبلٍ يحمل تحوّلات عميقة قد تؤثر على النظام السياسي والإعلامي الأميركيين
وفي الأسابيع الأخيرة، أصدرت الجمعيات الطلّابية في بعضِ الكلّيات قرارات تدعو إلى إنهاء الاستثمارات والشراكات الأكاديمية مع إسرائيل. هذه المبادرات التي نالت موافقة الهيئات الطلابية في جامعات بارزة مثل كولومبيا، هارفارد للقانون، روتجرز... تعكس تزايد الوعي والنقد الطلّابي تجاه السياسات الخارجية الأميركية.
ورغم أنّ التواطؤ والانحياز المؤسّسي راسخ في السياسة الأميركية، يبدو أنّ هناك تحوّلاً في الرأي العام، خصوصاً بين الشباب، قد يؤدّي إلى تغييرات جوهرية داخل المنظومة الأميركية. فهذا الحراك الطلّابي، والذي يُواجه محاولات شيطنة مستمرة من اللوبي الصهيوني المدعوم من بعض أوساط الإعلام والسياسيين الأميركيين، يَبرز تحدّياً جادّاً للرواية السائدة.
يمثّل الطلاب اليوم حالةً من التمرّد على النظام السياسي الذي متجذّرًا في الدولة والمصالح الخاصة. ثمّة روح جديدة تسود النخب الشابة اليوم، تُنذر بمستقبلٍ يحمل تحوّلات عميقة قد تؤثر على النظام السياسي والإعلامي الأميركيين.