يحدث للآخرين فقط!
قاعدة "يحدث للآخرين فقط"، قاعدة يعتمدها معظمنا في التعامل مع ما لا نستطيع التعامل معه. فعندما نفقد عزيزاً علينا، أو نخسر وظيفة كنّا نحلم بالحصول عليها، أو نفترق عن شريك تخيّلنا أننا سنكمل حياتنا معه، أو يتغيّر طريقنا الذي رسمناه لأنفسنا لأيّ سبب، نقرّر أنّ كلّ هذه المتغيّرات ما هي إلا مرحلة مؤقتة، أو خطأ بسيط ستتداركه الحياة في لحظات من عمرها الطويل لتصلح لنا كلّ شيء في النهاية قبل أن نرحل.
ربما تتشابه هذه القاعدة مع فكرة الإنكار التي عادة ما تكون هي الخطوة الأولى في تعاملنا مع الحزن عامة، لكن في حالتنا الأمر أكبر من كونه خطوة أولى أو مرحلة حتى نصل لخطوة القبول.
بعضنا يحيا وفقاً لها ولا يتقبّل على الإطلاق، وربّما كلّنا نفعل هذا بشكل جزئي. وربّما يكون هذا أحد أشكال القبول التي لم يخبرنا بها أحد.
"يحدث للآخرين" هنا غير قاصرة على الحزن فقط، أو الخسارة، بل هي شاملة لكلّ شيء. جميعنا نعتقد أننا أفضل وأجمل كأشخاص، وأنّ أخطاءنا ما هي إلا ردود فعل بسيطة مبرّرة للغاية مهما كانت قاسية أو عنيفة.
هناك الحقد والحسد والكره والكثير من الأحاسيس البشرية الأخرى التي نراها، وربما نمارسها بدورنا، بدون أن نشعر بذلك. ومع ذلك، نحكم على غيرنا معظم الوقت وفقاً لما نراه من تلك الأحاسيس، نقرّر بيننا وبين أنفسنا أننا لن نكون مثلهم في يوم من الأيام، ولن نمارس كراهيتنا أو حقدنا بهذا الوضوح أو حتّى في الخفاء. نقرّر أننا أفضل مباشرة بدون الخوض في تفاصيل، أو حتى بدون معرفة تفصيلة واحدة!
الكلّ يعتقد في نفسه الأفضلية بينما فئة قليلة للغاية هي التي تحاول بالفعل، فنقوم بالحكم على ما نراه من الآخرين، لأنّ ما حدث لهم لم يحدث لنا بعد، وربما لا يحدث أبداً. قناعتنا بأننا أفضل تجعلنا لا نشعر بالفعل بكلّ ما يدور حولنا، وتجعلنا في الوضع الأسوأ عندما نختبر ونتعرّض لما سبقنا إليه الآخرون.
قناعتنا بأننا أفضل تجعلنا لا نشعر بالفعل بكلّ ما يدور حولنا، وتجعلنا في الوضع الأسوأ عندما نختبر ونتعرّض لما سبقنا إليه الآخرون
حتى في حالات الموت، قد تجد أحدهم يحدثك عن أنه لم يكن ليتعرّض لنفس الشيء لو كان مكان الميت، بكلّ تأكيد كنت سأحرص على صحتي بشكل أفضل، أنا أكثر حذراً في كلّ الجوانب، أنا أكثر تشبّثاً بالحياة، فلن أصل أبداً لما وصل إليه حاله!
وعلى الجانب الآخر من القصة، ستجد من يحدثك عن استحالة ما حدث، وعن كون الأمر مجرّد مزحة قاسية من الكون، ليستمر في الإيمان بالفكرة حتى يستطيع التعايش مع ما حدث. وقد يتساءل هذا الطرف عن سبب اختيار الشخص التابع لي، لماذا هو؟ لماذا لم يحدث هذا لغيري؟ لماذا أتعرّض أنا لهذا بينما لا يشعر من حولي بما شعرت أنا به؟ بكلّ تأكيد هذا لم يحدث بعد.
يحيا بعضنا في الإنكار للأبد، وبعضنا يتخطاه بعد الوقت المناسب له. بعضنا يدمره الإنكار، وبعضنا يساعده الإنكار على الاستمرار والتعايش بشكل أفضل، المهم ألا ننصّب أنفسنا حُكاماً على العصاة والخطاة من حولنا، حتى لا نجد أنفسنا نفعل ما هو أفظع، ولا نجد حولنا وقتها سوى قضاة يحكمون علينا كما سبق وفعلنا عندما حدث للآخرين.