30 ديسمبر 2021
سنوات عطيات التي لم تكن مع عبدالرحمن الأبنودي (الأخيرة)
في هذه الحلقة:
من الأبنودي إلى عطيات: كفاكِ خطباً صلعاء يا زعيمة - من عطيات إلى الأبنودي: التقيت بكل مثقفي البلد فلم يسألوني عنك وحيوني من بعيد - سارتر يسأل عبد الناصر: كيف تسمح باعتقال الكُتّاب؟ فيجيب عبد الناصر: يحدث هذا في أي دولة في العالم - ويضيف: قلت لهم أريد نتائج التحقيقات ولم يأتوني بها - شعراوي جمعة يقول لزوجات المعتقلين: صلاح جاهين جاءني وطلب مني الإفراج عن الشعراء المتمردين - الأبنودي يسأل من داخل السجن: هل ما زال منير عامر يضع يده في يد الكذب؟ - شعراوي جمعة يطلب من عطيات أن تضمن الأبنودي وكمال الطويل يعرض مشاركة زوجة سيد حجاب في مشروع للفخّار - طاهر عبد الحكيم: لا تطلبوا وساطة محمود أمين العالم لأنه وافق على حل الحزب الشيوعي المصري!
أختم اليوم عرض مختارات من كتاب المخرجة التسجيلية الكبيرة عطيات الأبنودي (سنوات لم تكن معه: رسائل عطيات إلى زوجها المعتقل عبد الرحمن الأبنودي)، وأركز على الجزء الأخير من الكتاب الذي يتناول الفترة من فبراير 1967 وحتى 12 مارس 1967، موعد خروج زوج عطيات السابق الشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودي وزميله الشاعر الكبير سيد حجاب ورفاقهما من المعتقل الذي بقي فيه رفاق آخرون ظلوا فيه حتى وفاة عبد الناصر، فإلى المختارات التي أتمنى أن تشجعك على قراءة الكتاب كاملاً حين يعاد طبعه كما أرجو وأتمنى:
الأربعاء 5 فبراير 1967 السابعة وخمسة وأربعون دقيقة مساء: عدت إليك.. كراسة جديدة.. وأيام جديدة سوف تمر، دون أن تكون بجانبي، الذي في داخلي من أجلك كثير، كثير جداً، إنني أتحسسك بين ضلوعي، في كل لحظات يومي. بعد أربعة شهور إلا تسعة أيام من غيابك، أعدّها باللحظة، أجدني أحبك.. عبد الرحمن.. الشاعر الإنسان.
تحدثت مع نفسي كثيراً وناقشت هذا الإحساس في داخلي، وعرفت من أين جاء كل هذا الإعجاب بك، هذا لأني عرفت عنك الكثير خلال هذه الفترة، من الطفل الصغير الذي كانوا يطلقون عليه "رمان" بسبب ولعك الشديد بحبّات ثمار شجرة الرمان، والتي كنت تتسلق بسببها أسوار حدائق الرمان عند الجيران، لتحصل على بعض الثمار لتأكلها في دروب قريتك أبنود، إلى هذا "المجنون" الذي في قصيدة من ديوانك (الأرض والعيال)، هذا الذي يتجول في دروب مدينتك قنا، إلى هذا "السنكوح" الذي يسير في شوارع القاهرة بحثاً عن نفسه، إلى "رسائل أحمد أبو العدل"، وجوابات حراجي إلى فاطنة أحمد عبد الغفار، إلى صيادين النجم ومطر على المدينة، وإلى عمّالياتك الألف.
لم تكن لديّ هذه الفرصة من قبل لكي أقرأ وأعرف كل ما سطّرت يداك، وأعتقد أنه لن يتاح لإنسانة غيري أن تحتويك كما أفعل، وأن تعيش معك وأن تتحسس الشاعر كما أفعل، وأنا هنا أقسم لك وبحق غيابك عني، إنني لا أصادر حريتك، ولا حرية الأخريات من الاقتراب منك، ولكنه نوع كبير من الثقة في نفسي وقدراتي. لقد اكتشفت حساسيتك المفرطة على الالتقاط والتجميع والتوصيل عبر كلماتك المشحونة إلى الناس بكل تفاصيل الحياة. كل هذا الشعر والشاعر يرقد بجواري في الليل ويكتب لي خطابات يقول لي فيها: "أنتِ كنزي ولا أريد أن يفرق بيننا إلا الموت"، أنا أعشق الشاعر الفنان عبد الرحمن: "لو مرت الريح فيها صوت بيلالي من آخر البلد، لغريب وعايز يتنجَد، لأبيع عليه عمري وأبيع أصغر ولد"، هذه قصيدتك صيّادين النجم، أنت والأصدقاء، هم حياتك وأنت تسلك كما تفكر وتكتب، وأنا أعتقد الآن أنك تحبني ولذلك أنت تطالبني وأنت في سجنك أن تجيب على سؤال هاملت الشهير "نكون أو لا نكون"، أليس كذلك؟ لقد أعطتني الشهور الماضية الكثير فقررت أن أكون بك.
الأحد 5 فبراير: بالأمس حضرت متعمدة مؤتمر الكتاب العرب، حاولت أن أصنع بتواجدي في المؤتمر مظاهرة صامتة، كان كل المثقفين المصريين تقريبا هناك، كل الوجوه، كل الأسماء، شاهدتهم في وضح النهار، كنت أريد فقط أن أقول إنك موجود، وعندما يروني فبالتأكيد سوف تخطر في بالهم، وسوف يخطر الآخرون في المعتقل على ذاكرتهم، لم يحيّني أحد ولم يقترب مني غير عبد القادر حميدة، جاء ليعتذر عن عدم اتصاله بي طوال الفترة الماضية، وتركته أنا خوفاً عليه ومشيت بدلاً من أن يضطر هو أن يمشي من أمامي. لم يسألني أحد عنك، حيّوني من بعيد، محمد عودة وسعد كامل وراجي عنايت، شوقي عبد الحكيم وسعد وهبة وعبد المعطي حجازي، صلاح عبد الصبور وفاروق شوشة، كل وجهاء ومثقفي المدينة، ميخائيل رومان وكرم مطاوع وحتى حسن محسب ومحمد بركات.
خرج سامي داود مدير مكتب كمال رفعت في أمانة الفكر والدعوة من قاعة الاجتماعات لسبب ما، خرجت وراءه وقدمت نفسي، كان مضطرباً عندما سمع ما قلت عنك في السجن، قال: "لا أعلم ولم يخبرني أحد ولا حتى محمود أمين العالم، لم يقل لي شيئاً"، سألته إذا كان من الممكن مقابلة الأستاذ كمال رفعت؟ قال: "كمال رفعت ما يقدرش يعمل حاجة في الموضوع ده"، استنجد سامي داود بيوسف السباعي، قدمت نفسي للأستاذ يوسف السباعي، صافحني وانصرف بسرعة.
كنت قد كتبت خطابا لثروت عكاشة وزير الثقافة ورئيس المؤتمر، وبعد انتهاء الاجتماع ذهبت إليه وسلمته الخطاب، ابتسم لي ووضعه في جيبه ولم يتوقف حتى أقول له من أنا ولا لماذا هذا الخطاب، ربما اعتبره شكوى من واحدة من الموظفات في الوزارة، قابلني محمود أمين العالم بترحاب وسألني عن أخبارك، قلت له: الأخبار عندكم أنتم، فقال: إن شاء الله سوف يخرج من المعتقل قريبا، طلبت منه موعدا لمقابلته في مكتبه في مؤسسة النشر، وقلت له هناك موضوع آخر أريد أن أتحدث معك فيه، أعطاني موعدا يوم الأربعاء، في الحادية عشرة صباحا في طريقي إلى مسرح الجيب، كنت مرهقة وقرفانة ومصابة بالغثيان، أحس أنني كبرت، عجِّزت.
أمس الأربعاء صباحا، قابلت محمود أمين العالم في مكتبه بالمؤسسة القومية للنشر، كان ودوداً، ولكنه كان مشغولا أيضا، باختصار طلب مني أن أكتب له رسالة موجهة للسيد الرئيس جمال عبد الناصر بصفتي زوجتك، أقول فيها ما حدث وارفقها بنماذج من اشعارك، قال إن وزير الداخلية صرح بأن ليس عليكم غبار سوى أنكم تتكلمون كثيرا وتنتقدون كثيرا وتسخرون كثيرا من النظام، وقال عن اعتقالكم إنه مجرد إجراء تحفظي، ثم قال ممكن لزوجة سيد حجاب أن تكتب نفس الطلب، ثم تراجع وقال: "بلاش سيد حجاب خلينا نركز على الأبنودي"، تكلمت معه عن إمكانية طبع ديوان من أشعارك ضمن إصدارات المؤسسة، وافق، واتفق معي أن أقدم المجموعة مع الرسومات لتأخذ دورها في اللجان المختصة، ثم قال: "إن شاء الله يكون عبد الرحمن قد خرج من المعتقل قبل صدور الديوان"، خرجت من عنده ورأسي تدور، من أقرب كشك به تليفون في الشارع اتصلت بطاهر في جريدة الجمهورية وحكيت له عن المقابلة وكتابة المذكرة التي طلبها العالم لعبد الناصر، قال مترددا: اكتبي على الأقل نستفيد من موضوع الاعتقال للمناقشة وهذا في مصلحة الجميع.
في البيت، جاءت سمية كمال عطية تحمل ابنتها عبير، بعد قليل جاء المغربي ونزلت سمية، ثم جاء طاهر عبد الحكيم وكان يبدو عليه الإرهاق، لم يكن لديه وقت كثير، فسوف يسافر الجمعة إلى نيقوسيا، ولكنه قرر أن يمر علينا للحديث معي، عزمنا عليه بالعشاء رفض، ثم قرر الانصراف، ولكنه فرقع القنبلة قبل انصرافه، قال: "أنا لا أوافق على إرسال أي خطابات لعبد الناصر عن طريق محمود أمين العالم، عليه ألا يتمسح في الوساطة للأبنودي ويقول إنه يسعى للإفراج عن المعتقلين"، ودارت مناقشة حامية بيني وبينه، وكان كمال الأبنودي وعبد العظيم المغربي مشتركين فيها، لم أكن مقتنعة تماما بحجته، وهو كان متعبا ويرغب في الانصراف بعد أن اقتربت الساعة من منتصف الليل، وكان يريد الإسراع إلى بيته لينام، وانصرف اطاهر ولم نصل بعد إلى رأي في الصباح الباكر، ذهبت إلى طاهر في بيته وطلبت منه أن يفسر لي هذا الموقف، وتساءلت: لماذا توافق على أن ألجأ لمحمد حسنين هيكل وأحمد حمروش ولا توافق على وساطة محمود أمين العالم؟ قال: لأن محمود العالم أحد الذين فاوضوا الحكومة على حل الأحزاب الشيوعية في مصر، وهو كشيوعي سابق يرى أن على الشيوعيين أن يحنوا رؤوسهم للحكومة ويلتحقوا بالاتحاد الاشتراكي، ثم ليه محمود أمين العالم ما يتكلمش مع علي صبري من نفسه، هل يصح أن ينتظر منك ورقة يستخدمها حجة، لكي يسعى للإفراج عن المعتقلين؟ هذا إذا كان مقتنعا بالفعل.
لم أر طاهر بهذا الغضب طوال الفترة الماضية، لم أعرف بماذا أرد عليه، فجأة انفجر مرة أخرى وقال: "أنا لا أريد أن يكون في تاريخ الأبنودي أن أحد هؤلاء المرتدين الذين وقّعوا على حل الحزب الشيوعي المصري قد سعى لدى الحكومة لكي يفرج عنه من الاعتقال، وأعتقد إنك لو سألت الأبنودي حيكون رأيه نفس الرأي، ثم استطرد قائلا: "أنا عايز الأبنودي أن يكون بره المعتقل النهارده قبل بكره، ويكون ذلك بسبب أن الحكومة غيرت موقفها من الشيوعيين، وعلى فكرة أنا أعتقد أن الحكومة يهمها وساطة جان بول سارتر، وليس وساطة محمود أمين العالم".
*مصدر الصورة: Getty
حكيت لكمال الأبنودي ما حدث بيني وبين طاهر وسألته رأيه في هذا الكلام، قال بغضب: "بتسأليني ليه، انت عندك اللي بيفكر لك في كل خطوة؟"، ذُهِلت من الإجابة ومن رأي كمال الأبنودي في تصرفاتي، ومن هنا بدأ التوتر، كنت أعتقد أننا أصدقاء وأنه يحترم حيرتي، وفجأة قذف في وجهي برأيه الحقيقي في تصرفاتي، هناك من يفكر لي؟! لم تصبني الحيرة طوال الفترة الماضية كما أصابتني هذه المرة وقررت في خطابي القادم أن أكتب لك وأستشيرك.
أما خطابك رغم سعادتي لمعاودتك الاتصال بي، إلا أني حزينة جدا من هذه الجملة: "كفاكِ خطباً صلعاء يا زعيمة"، لقد سبّب لي هذا الخطاب ارتباكا شديدا، أنت فيه كما أنت، لم يتغير فيك شيء بالنسبة لرأيك فيّ، ورغم كلماتك عن العظمة والحب والفهم والوعي الذي أتسم بها، ولكنك تقول أنني صلعاء وزعيمة، ثم تقول في فقرة أخرى إنني راجل وجدعة! ما هذا الكلام.. إنني أحس بتعاسة تفوق الوصف وأفكر بأنني لست في حاجة لكلماتك ولا أريد خطاباتك ولا شهادة منك ولا أن تصفني أو تصفعني بمعنى أصح وبهذا الشكل، بي رغبة شديدة في أن أكتب لك الآن عن ضرورة انفصالنا، لأول مرة أفكر في الانفصال، لست أدري ماذا حدث لي.. لا أستطيع، حتى أن أقول أنني أحبك تماما.
الثلاثاء 14 فبراير: يوم الأحد خرجت في الصباح لزيارة آمال مطلقة بليغ حمدي بعد عودتها من بيروت، لم أجدها، كلمتها فيما بعد وتواعدنا، كانت رحلة آمال إلى بيروت وإلى لندن مثيرة، قابلت هناك زوجها السابق الأمير العربي وأهدى لها خاتم سوليتير وساعة. حكت لي عن الصحف البيروتية التي كتبت تحتها صورة لها هي وعبد الحليم حافظ: "زوجة بليغ السابقة في حضن عبد الحليم"، حكايات كثيرة من هذا النوع، حكت لي أيضا عن السيارة الفورد موديل 67 والتي من المفروض أن تدفع عنها 5 آلاف جنيه للجمارك، ولكنها سوف تجد طريقة للتخلص من دفع هذا المبلغ، قالت لي إن عبد القادر أقسم لها بحياة أمه وغلاوتها، إن الأبنودي سوف يكون في بيته على العيد الكبير، والأبنودي بالذات! أوصلتني في حوالي الحادية عشرة إلى بيت الخال أحمد مجاهد وذهبت هي إلى بيتها، تناقشنا أنا وهو حول موضوع التظلم، وأخيرا توصلنا إلى أنه سوف يكتب مذكرة قانونية باسمي أنا لوزير الداخلية، وسوف أذهب بها بصفتي زوجتك إلى مكتب الوزير، عدت إلى بيتنا، كنت في حاجة حقيقية لسماع الموسيقى.. أحبك كثيرا.
الإثنين 20 فبراير التاسعة والربع صباحا:
جاء محمود رسام الكاريكاتير بمجلة آخر ساعة ومعه صديقه الموسيقار كمال الطويل، قدمني محمود وابتسم كمال الطويل ابتسامة عريضة لرؤيتي، سأل عنك وتذكر أنني تركت له رسالة في يوم من الأيام بعد اعتقالك، ولكنه لم يتصل بي لأن ليس لدينا تليفون، طلبت منه موعدا لكي أتكلم معه في موضوع أغنية "يا قمر يا اسكندراني، قال في السادسة مساء في مكتبه.
جاءت إيفلين وشوقي - زوجة الشاعر سيد حجاب وقتها وأخوه الشاعر أيضاً ـ إلى البيت وذهبنا جميعا لمكتب كمال الطويل، أخذت معي نص أغنية "يا قمر يا اسكندراني"، كنت قد نسخته من النص المنشور في مجلة صباح الخير، قال إنه يحفظ الكلمات عن ظهر قلب وردد بيتا منها: "كاتب اسمك بالنور ع المدينة"، قال: فيه بعض الكلمات تقيلة في المزيكا وعاوز أغيرها، قلت له: أنت مفوض بالتغيير، قال: عبد الرحمن يزرجن، قلت له: في الظروف دي المهم أن تكون للأبنودي غنوة جديدة في السوق، طلب مني قصيدة (الخواجة لامبو) وقال إن أحد أمنياته تلحين هذه القصيدة، وعدته بأن أحضرها له.
التفت إلى إيفلين وطلب منها دون أن تطلب منه بعض أغاني سيد حجاب. كمال الطويل رجل ذكي ولمّاح وتاجر في نفس الوقت، سأل إيفلين إنتي بتشتغلي إيه؟ فحدثته عن أنها فنانة تصنع الفخّار، وحدثته عن مشروع بيت الفيوم وفرن الفخّار الذي سوف تبنيه هناك، قال بجدية: "يعني مشروع تجاري كبير، تحبي حد يساهم معاكي في المشروع؟"، انزعجت إيفلين جدا وقالت: "لا أنا مش عاوزة، أنا باحب أعمل الحاجة اللي أنا بحبها، وأبيعها للناس أصحابي اللي بحبهم أو للناس اللي بيحبوا شغلي"، لم يسمع كثيرا ما قالت، وبدأ مناقشة التفاصيل، طلب منها رؤية نماذج من إنتاجها، وسألها أن تأخذه معها مرة لزيارة فرن الفخار في بيت الفيوم، سكتت إيفلين ولم تتابع ما يدور.
فجأة تحول مرة أخرى إلى موضوع الأغاني، وعندما يتحدث كمال الطويل عن الأغاني والموسيقى يتحول إلى شخص آخر وتلمع عيناه بتوتر الفنان، وضع يده على سماعة التليفون وطلب نجاة الصغيرة، لم يجدها، التفت إليّ وقال: رأيي كملحن، أصلح من يغني يا قمر يا اسكندراني هو محمد رشدي، قال إنه لحنها على مقام صوت نجاة، فإذا كان محمد رشدي سيغنيها فلا بد من تغيير "فورم الأغنية" على مقام صوت محمد رشدي، في هذه الحالة لا بد من تأجيل تسجيل الأغنية لإنها تحتاج شغل كتير حتى تلائم محمد رشدي، رجوته أن لا يؤجل ويكتفي بأن تغنيها نجاة الصغيرة، وإذا كان يرغب في أغنية لمحمد رشدي فهناك كثير من الأغاني التي من الممكن أن يلحنها له من كلمات الأبنودي، قال: لو تغنيها نجاة يبقى لازم تتغير هي نفسها وتلبس فورم فيروز وأنا حاقولها كده بصراحة، وفجأة غيّر الموضوع وقال: إنتي السبب في إن عبد الرحمن ما كتبلناش غنوة يوليو، قلت: غير صحيح، قال: إنتي قلتي له لا تتعامل مع الناس الوحشين دول أنا وعبد الحليم، قلت: غير صحيح، قال: عبد الرحمن هو اللي قال لنا إنك إنتي السبب، قلت له: غير صحيح، الصحيح أنا لا أتدخل في شغل عبد الرحمن ولكنه أحيانا يأخذ رأيي، إلا أن الرأي النهائي له، لأنه هو الذي يعرفكم أكثر، وأنا لم أطلب من عبد الرحمن أن لا يكتب أغنية يوليو، ثم إن عبد الرحمن رجل عاقل ويعرف مصلحته كويس وليس رأي زوجته هو الذي يؤثر في قراراته، قال: برضه إنتي السبب وهو اللي قال كده، قلت له: يبقى عبد الرحمن بيعطيني قيمة أكبر مني، ووقفت استعدادا لإنهاء المناقشة والزيارة. اصطحبنا إلى الأسانسير وقال: قولي لعبد الرحمن إني باشتغل في يا قمر يا اسكندراني، وعليه أن يفكر في أغنية يوليو، لإني مصرّ إن هو اللي يكتبها السنة دي. سلام. سلام.
الأربعاء الأول من مارس الثامنة والنصف صباحا:
كل شيء يكذب من حولي، أفتح الصحف في الصباح، لا تكف عن الحديث عن الحريات والاشتراكية، جان بول سارتر ودي بوفوار في زيارة لمصر وتملأ صورهما الجرائد والمجلات، انعقاد مؤتمر المحامين العرب، حديث مع الوفد السوداني عن دور المحامين والقضاء في حكم المحكمة الدستورية السودانية برفض حل الحزب الشيوعي السوداني، ثم عبد الناصر يطلب في كلمته للمؤتمر أن يناقشوا "القانون والثورة والحرية". مجرد كلمات.. كلمات تملأ الصفحات وتتردد في الإذاعات وتملأ الشوارع بالإعلانات، وأنتم في السجن بلا قانون ولا حرية، أية اشتراكية هذه التي ينادون بها، وأنتم أية اشتراكية هذه التي تسجنون من أجلها، كل هذا وأنا عاجزة لا أستطيع أن أفعل شيئا، وتأتي أنت وتكتب لي أنك "مسحوق"، ربما أعزي نفسي وأقول في الغد سوف أفعل شيئا، ولكن أي غد، ليس لي غد ولا أمل في أن يكون لي غد، لا أملك غير الإحساس بالقهر، أنا لست عاجزة ولكن أنا مقهورة، القبضة تعصرني ولا أملك غير الدموع.
كان لا بد من البحث عن طاهر. منقذي في هذه الحالات. ذهبت إليه في جريدة الجمهورية، تحاور معي كثيرا ليخفف عني، قلت له لا فائدة وخرجت من عنده كما أنا، لأول مرة أحس بكراهية للعودة إلى بيتنا، كنت أقول لنفسي حتى لو عدت فلن أجدك هناك، تسكعت في شوارع وسط المدينة، في شارع سليمان، قابلت عبد العزيز سالم خارجا من العمل، دعاني على فنجان من القهوة في مكتبه، شكرته وانصرفت، قابلت منير عامر في شارع قصر النيل، أصر على دعوتي لتناول عصير البرتقال، تمشينا حتى الإكسليسيور في شارع عدلي، قلت له إنك تتساءل في خطاباتك: "هل ما زال منير عامر يضع يده في يد الكذب؟ أين أنت يا منير؟"، لم يرد، خرجت من الإكسليسيور لمزيد من التسكع بعد أن افترقنا أنا ومنير، قابلت شوقي عبد الحكيم وجلال العشري، تحدثا معي عن المسرحية التي أمثل فيها وأشادا بقدرتي على التمثيل، لم يخرجني هذا مما أنا فيه، تعبت من المشي والتسكع، ذهبت إلى البيت.
الأحد 5 مارس التاسعة والنصف صباحاً: لم أنم ليلة الجمعة، قلت لك أمي وأختي ناما بجواري، تقلبت كثيرا، حاولت النوم في الحجرة الأخرى ولا فائدة، عدت مرة أخرى إلى جوارهما، ولا فائدة، حتى الصباح لم أذق طعم النوم، بالأمس جاء كمال وكان شوقي يبيت عنده، كان غاضبا من إيفلين، أفطرنا جميعا ثم ذهبت أنا وشوقي للإذاعة، كان شوقي يريدني أن أقدمه لبعض معارفنا في الإذاعة من أجل أن يجد عملا في الكتابة لبرامج الأطفال، قابلنا كامل البيطار، قال: ماهر العطار يريد أغنية من عبد الرحمن وسمع لحنها من إبراهيم رجب، إبراهيم قال لماهر لا بد أن يدفع ثمن الأغنية ولا بد من موافقة عبد الرحمن، قلت: أنا أوافق إبراهيم ولا داعي لتكرار مأساة محمد رشدي ومساوماته على دفع ثمن أغانيه، مسألة دفع حق المؤلف مسألة بسيطة على المطربين أن يفهموها، الأبنودي من حقه أن يتقاضى ثمن كلماته، لأنها مهنته الوحيدة، هذه الكلمات تصنع المطربين وكلهم يستطيعون الدفع فهم يغنونها في كل مكان ويكسبون من مهنتهم، فاطلب من ماهر يا أستاذ كامل، أن يدفع 100 جنيه على الأقل مثله مثل عبد الحليم، كانت عديلة بشارة المخرجة بصوت العرب موجودة ووافقتني على هذا الكلام، قال كامل: لكن ده ماهر العطار، قلت: مين ماهر العطار، قال: غنى لسيد حجاب "ياما زقزق القمري على ورق اللمون"، قلت: الغنوة دي هي اللي شهرت ماهر ومن يومها الناس بتعرفه كويس، ماهر محتاج لكلام الأبنودي، مش العكس، وعليه أن يدفع ثمن جهد الكتابة وإن كانت الـ 100 جنيه في رأيي ليست ثمنا، كان كامل متصورا أنه يسدي إلينا خدمة، أخذ على خاطره وانصرف في هدوء.
إنني أتعجب، لماذا لا يحترم المطربون جهود المؤلفين، أرجوك يا عبد الرحمن، عندما تعود إلى عالمك، أن تطلب أجرا على كلماتك ولا تنتظر حتى تدفع لك شركة الاسطوانات أو تتقاضى بضعة جنيهات من الإذاعة. الفلوس مش وحشة لو معانا. على الأقل من الممكن أن نحقق بها بعض الأمنيات الصغيرة، وتجربة اعتقالك تثبت ذلك، المطربون يملكون العربات الفارهة، ونحن نبحث عن 5 جنيهات لإرسالها لكم في السجن، ولن أنسى عندما طلبت من محمد رشدي 50 جنيها ثمنا لأغنية عدوية، قال لك: "مراتي قالت 30 جنيه كفاية".
الجمعة 10 مارس: اتصل بي رفعت السعيد وقال: "عندك موعد مع وزير الداخلية يوم الثلاثاء"، قالت أميمة معلقة: "فرافير البلد كانت ترفض مقابلتنا وها هو أحد الأسياد يقابلنا"، عرضت عليها أن تأمي معي أنا وإيفلين، رفضت وقالت: "البركة فيكم"، اتصلت بفريدة صلاح عيسى، وافقت، أعطتنا موعدا ولم تحضر، كانت سمية موجودة، فذهبنا ثلاثتنا. يوم الثلاثاء، عند مدير مكتب وزير الداخلية انتظرنا قليلا ثم دخلنا إلى مكتب الوزير، كان يقف على رأس منضدة الاجتماعات آخذاً هيئة رئيس الحكومة، وجهه جاد ولا يبتسم، عندما رآنا، ثلاث فتيات يلبسن نظارات طبية وجوارب سوداء وأحذية منخفضة بدون ماكياج وحتى الشعر كان هواء الخمسين العاصف في هذا اليوم قد عبث به أيما عبث، تقدم هو إلينا وقدمنا له أنفسنا، ابتسم وقال: "على كده انتم أولادهم"، قلت له: "على كده حضرتك تفتكر عبد الرحمن عنده كام سنة؟، أعاد السؤال لي، قلت: "الأبنودي عنده 28 سنة بس"، قال: 28 سنة بس، غير معقول! قالت إيفلين: "وسيد عنده 24 أو 25 سنة"، ولم يسأل زوجة كمال عطية، كانت فاتحة الكلام حتى يمر الموقف علينا جميعا بسهولة.
قدّم لنا علبة فاخرة بها شيكولاتة فاخرة، أخذت اثنتين وقلت: سأحتفظ لحين عودة عبد الرحمن إلى البيت ذكرى مقابلتي لحضرتك، قال: تقدري تاخذي أكثر، ثم سألني: إنتي بتشتغلي؟ قلت: باشتغل ممثلة في مسرح الجيب، قال: يعني مثقفة وتعرفي تفكير جوزك واتجاهاته، قلت: عشت مع عبد الرحمن سنة واحدة، عرفته كإني أعرفه عمري كله، هو بيحب بلده ويكتب أغانيه عن ناس مصر، لحقني بالسؤال: اتجوزتم من سنة واحدة؟ عموما أنا أحترم الأبنودي وسيد حجاب وأحبهم كشعراء، وصلاح جاهين جاني هنا ودافع عنهم، وطالب بالإفراج عنهم، وقال إنهم شباب من الشعراء المتمردين، قلت: الفنان ممكن يكون متمرد على القوالب والأشكال القديمة في الفن، عموما شعر الأبنودي بيقول هو مين، أشعار مصرية من شاعر مصري صميم، حتى آخر قصيدة كتبها عن فيتنام، قصيدة من رجل يحب السلام ويدعو للسلام ويحب الإنسانية. وجدتها مناسبة لتقديم شكواي، قلت: المباحث سرقت كل ما كتب الأبنودي بخط إيده، وأنا أتقدم الآن بشكوى رسمية لحضرتك، أنا أريد استرداد هذه الكتابات، قال: سترد لك وكلها في الحفظ والصون، ثم قال ضاحكاً: تضمني عبد الرحمن؟، قلت مازحة: "حضرتك عايزني أكتب ورقة أقول فيها إنه حسن السير والسلوك وحيمشي على الخط المستقيم؟".
تبادل بعض الحديث مع إيفلين وعرف منها إنها خواجاية سويسرية، وتحدثت سمية عن قطع مرتب زوجها، وأنها تجد صعوبة مادية في العيش بدون مرتب كمال عطية، قبل انتهاء المقابلة قلت له أريد وعداً أو موعداً للإفراج عن المعتقلين، قال سوف أرسل لهم ليأتوا لمقابلتي، وسوف أناقشهم بنفسي، ثم أرفع تقريرا للسيد رئيس الجمهورية، قلت: أرجو أن يقضوا العيد الكبير معنا، يكفي أن العيد الصغير قضيناه وحدنا، قال: بإذن الله. خرجنا إلى مدير مكتبه، رن جرس التليفون، رفع السماعة، السيد الوزير يطلبه، عاد إلينا وقال: السيد الوزير طلب مني استدعاء الأبنودي وسيد حجاب وكمال عطية من المعتقل لمقابلته غدا الأربعاء، خرجنا نحن الثلاثة خارج مبنى وزارة الداخلية وكأن الحياة تبتسم لنا لأول مرة.
الأحد 12 مارس في العاشرة صباحا: السبت صباحا كان لا بد أن اذهب إلى الإذاعة لكي أحصل على ورقة من العقود بأنك قبضت مبلغ 10 جنيهات فقط مقابل أغنية "يا أسمراني" حتى تُخصم من أجرك الذي ستتقاضاه عن الأغنية من شركة اسطوانات صوت القاهرة، قال لي العم عمري إن هناك في الخزينة إذن صرف لأغنية جديدة "زغرط يا دخان المصانع" سجلتها الإذاعة بصوت المجموعة من تلحين علي فراج، جاء بليغ حمدي بالصدفة، رحب بشدة كعادته عندما يقابلني بالصدفة، قال إنه كان يرغب في تسجيل أغنية "الهوى هوايا"، في الأسبوع الماضي بصوت عبد الحليم ولكنه لم يعثر على النص كاملا حتى عند عبد الحليم، وإنه يرى إمكانية أن تخرج أسطوانة عليها أغنيتان "الهوا هوايا" و"الليل والسواقي"، وقال إنه يعمل على تلحين أغنية "العقد الكهرمان" لمحمد رشدي، وطلب مني أغنيات أوبريت "برج الغلابة" لكي يبدأ في تلحينها، قلت: حاضر إن شاء الله.
أذكر مقابلتي للصديق عبد الملك خليل، كان عبد الملك يتحدث الفرنسية بطلاقة، ولذلك اختاره لطفي الخولي رئيس تحرير مجلة الطليعة مرافقا ومترجما خاصا لجان بول سارتر وسيمون دي بوفوار، مندوبا عن مؤسسة الأهرام، أذكر إن عبد الملك قال لي إنه حضر المقابلة مع سارتر وسيمون والسيد الرئيس جمال عبد الناصر، وقد أثار سارتر بالفعل موضوع الاعتقالات بدون محاكمات لليسار المصري، وتساءل سارتر كيف أن عبد الناصر الرجل الثوري يسمح بأن يعتقل المفكرون والشعراء والكتاب في عهده، وقال عبد الملك إن عبد الناصر رد على هذا بقوله: "أي رئيس دولة في العالم لديه أجهزة الأمن المختلفة التي تحمي نظامه، عندما يتقدم أحد هذه الأجهزة بطلب اعتقال مجموعة من الأفراد ويقول هذا الجهاز إن هؤلاء الأفراد خطر على أمن الدولة وأنهم يتآمرون على قلب نظام الحكم، ماذا يفعل الرئيس في هذه الحالة؟"، ثم قال عبد الناصر دفاعا عن الموقف: أنا قلت حققوا في الموضوع وأتوني بالنتائج، ولم يحدث حتى الآن أن أتوني بالنتائج! ووعد السيد الرئيس بأن يتعجل توضيح هذا الأمر وبسرعة.
...
ثم تختم عطيات الأبنودي مذكراتها بهذه الفقرات شديدة الدلالة على مسار علاقتها بعبد الرحمن الأبنودي بعد خروجه من المعتقل، برغم أن الانفصال الذي حدث بينهما تأخر سنوات طويلة:
"ربما، القبض على يحيى بعد أن كان عدم القبض عليه، حجة المباحث في عدم تقرير نهائي وإقفال التحقيق مع المعتقلين، وربما، دلالة موافقة وزير الداخلية على مقابلة الزوجات، بعد أن طلبنا ذلك مرارا وتكرارا عبر كل القنوات، وكان الرد دائما بالرفض أو التسويف، ربما مقابلة وزير الداخلية لعبد الرحمن الأبنودي وسيد حجاب وكمال عطية كما سمعنا، خرج الثلاثة من المعتقل في عربة البوليس إلى مكتب وزير الداخلية، واستمرت المقابلة أكثر من ساعة، ثم عادوا إلى المعتقل مرة أخرى، كان هذا حدثا في تاريخ المعتقلين السياسيين، أن يخرج المعتقلون بملابس السجن لمقابلة وزير الداخلية، ثم يعودون إلى السجن مرة أخرى، واعتُبرت هذه المقابلة علامة من علامات قرب الإفراج عن المعتقلين، ربما، بعض الضغوط السياسية من بعض المنظمات الدولية المهتمة بحقوق الإنسان قد أتت فعلها، وأخيرا حديث سارتر مع عبد الناصر، ربما كل هذه الأحداث جعلتني أصدق أن الإفراج عن المعتقلين سيكون وشيكا، وجعلتني أتوقف عن الكتابة اليومية، بدأت أعود لكتابة رسالة واحدة أعلقها على الباب عند خروجي أسميتها: "أين أنا"، وأكتب فيها خط سيري، أين سأكون وفي أي وقت ورقم التليفون حتى يمكن الاتصال بي، وكنت دائمة الحلم بهذه اللحظة التي سيخرج فيها عبد الرحمن من السجن، ويعود إلى البيت، أتصورها في المساء دائما كما حفظت السيناريو من أميمة، سيجد رسالتي: "أنا في المسرح"، سيجري إليّ عابرا ميدان التحرير إلى كوبري قصر النيل ثم يمينا إلى مسرح الجيب، يشاهدني وأنا أمثل، يصفق لي، ثم يأخذني بعد انتهاء العرض عائدين، عابرين لكوبري قصر النيل، نقف قليلا لتأمل النهر تحت أضواء القاهرة، ثم نمشي إلى ميدان التحرير ثم إلى بيتنا في 5 شارع مصطفى أبو هيف، الدرمللي سابقا، كان علي أن أذهب إلى المسرح، هذا الذي لا أستطيع عنه الاعتذار، في موعد المسرح خرجت وتركت رسالة "أين أنا" على باب الشقة:
إلى الواد حبيبي الذي أنتظره كل ليلة. أنا في المسرح "الجيب" وموجودة هناك حتى العاشرة. تليفون المسرح: 805842 ـ 805862 توقيع عدوية.
ذهبت إلى المسرح، كنت أريد أن أحكي لكل من يقابلني ما حدث، أوصيت العاملين على شباك التذاكر والواقفين على باب المسرح بأن يدخلوا الأبنودي عندما يأتي، إما إلى الصالة أو إلى الكواليس أن أمكن، بدأ العرض، بحثت عنه بين المتفرجين، بحثت عنه في الكواليس، لم يأتِ، وبدأت دقات قلبي تضطرب، ترى ماذا حدث؟ أسدل الستار على المسرحية، لم أسمع تصفيق الجمهور في هذه الليلة، خرجت من باب المسرح في حوالي الساعة العاشرة، أخذت تاكسي إلى البيت، في البيت وجدت عبد الرحمن، كان قد وصل منذ ساعتين، لم أسأله: لماذا لم يتصل بي بالتليفون ليخبرني بوجوده، ولم يجر إلى المسرح عابرا ميدان التحرير إلى كوبري قصر النيل، ثم يمينا إلى مسرح الجيب، ولم يشاهدني وأنا أمثل، ولم يصفق لي، ولم يأخذني بعد انتهاء العرض عائدين، عابرين كوبري قصر النيل، ولم نقف قليلا لنتأمل النهر تحت أضواء القاهرة، ولم نمشِ سويا إلى ميدان التحرير، ولم نصعد سلالم بيتنا معا في 5 شارع مصطفى أبو هيف، الدرمللي سابقاً".
...
بهذه الفقرات أنهت عطيات الأبنودي مذكراتها عن فترة اعتقال زوجها السابق عبد الرحمن الأبنودي والتي تضمنت رسائلها إليه، لتبدأ بعد سنوات نشر فصول جديدة من قصتها معه خلال فترة سفرها خارج مصر لدراسة السينما، وهو ما تضمنه كتابها الجميل (أيام السفر)، الذي أرجو أن تكون لنا فرصة للتوقف عنده مستقبلاً، كما أرجو أن يتاح لي كتابة ما أعرفه وما عايشته مع الراحلين الكبيرين عبد الرحمن الأبنودي وعطيات الأبنودي، عليهما ألف رحمة ونور.
أختم اليوم عرض مختارات من كتاب المخرجة التسجيلية الكبيرة عطيات الأبنودي (سنوات لم تكن معه: رسائل عطيات إلى زوجها المعتقل عبد الرحمن الأبنودي)، وأركز على الجزء الأخير من الكتاب الذي يتناول الفترة من فبراير 1967 وحتى 12 مارس 1967، موعد خروج زوج عطيات السابق الشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودي وزميله الشاعر الكبير سيد حجاب ورفاقهما من المعتقل الذي بقي فيه رفاق آخرون ظلوا فيه حتى وفاة عبد الناصر، فإلى المختارات التي أتمنى أن تشجعك على قراءة الكتاب كاملاً حين يعاد طبعه كما أرجو وأتمنى:
الأربعاء 5 فبراير 1967 السابعة وخمسة وأربعون دقيقة مساء: عدت إليك.. كراسة جديدة.. وأيام جديدة سوف تمر، دون أن تكون بجانبي، الذي في داخلي من أجلك كثير، كثير جداً، إنني أتحسسك بين ضلوعي، في كل لحظات يومي. بعد أربعة شهور إلا تسعة أيام من غيابك، أعدّها باللحظة، أجدني أحبك.. عبد الرحمن.. الشاعر الإنسان.
تحدثت مع نفسي كثيراً وناقشت هذا الإحساس في داخلي، وعرفت من أين جاء كل هذا الإعجاب بك، هذا لأني عرفت عنك الكثير خلال هذه الفترة، من الطفل الصغير الذي كانوا يطلقون عليه "رمان" بسبب ولعك الشديد بحبّات ثمار شجرة الرمان، والتي كنت تتسلق بسببها أسوار حدائق الرمان عند الجيران، لتحصل على بعض الثمار لتأكلها في دروب قريتك أبنود، إلى هذا "المجنون" الذي في قصيدة من ديوانك (الأرض والعيال)، هذا الذي يتجول في دروب مدينتك قنا، إلى هذا "السنكوح" الذي يسير في شوارع القاهرة بحثاً عن نفسه، إلى "رسائل أحمد أبو العدل"، وجوابات حراجي إلى فاطنة أحمد عبد الغفار، إلى صيادين النجم ومطر على المدينة، وإلى عمّالياتك الألف.
لم تكن لديّ هذه الفرصة من قبل لكي أقرأ وأعرف كل ما سطّرت يداك، وأعتقد أنه لن يتاح لإنسانة غيري أن تحتويك كما أفعل، وأن تعيش معك وأن تتحسس الشاعر كما أفعل، وأنا هنا أقسم لك وبحق غيابك عني، إنني لا أصادر حريتك، ولا حرية الأخريات من الاقتراب منك، ولكنه نوع كبير من الثقة في نفسي وقدراتي. لقد اكتشفت حساسيتك المفرطة على الالتقاط والتجميع والتوصيل عبر كلماتك المشحونة إلى الناس بكل تفاصيل الحياة. كل هذا الشعر والشاعر يرقد بجواري في الليل ويكتب لي خطابات يقول لي فيها: "أنتِ كنزي ولا أريد أن يفرق بيننا إلا الموت"، أنا أعشق الشاعر الفنان عبد الرحمن: "لو مرت الريح فيها صوت بيلالي من آخر البلد، لغريب وعايز يتنجَد، لأبيع عليه عمري وأبيع أصغر ولد"، هذه قصيدتك صيّادين النجم، أنت والأصدقاء، هم حياتك وأنت تسلك كما تفكر وتكتب، وأنا أعتقد الآن أنك تحبني ولذلك أنت تطالبني وأنت في سجنك أن تجيب على سؤال هاملت الشهير "نكون أو لا نكون"، أليس كذلك؟ لقد أعطتني الشهور الماضية الكثير فقررت أن أكون بك.
الأحد 5 فبراير: بالأمس حضرت متعمدة مؤتمر الكتاب العرب، حاولت أن أصنع بتواجدي في المؤتمر مظاهرة صامتة، كان كل المثقفين المصريين تقريبا هناك، كل الوجوه، كل الأسماء، شاهدتهم في وضح النهار، كنت أريد فقط أن أقول إنك موجود، وعندما يروني فبالتأكيد سوف تخطر في بالهم، وسوف يخطر الآخرون في المعتقل على ذاكرتهم، لم يحيّني أحد ولم يقترب مني غير عبد القادر حميدة، جاء ليعتذر عن عدم اتصاله بي طوال الفترة الماضية، وتركته أنا خوفاً عليه ومشيت بدلاً من أن يضطر هو أن يمشي من أمامي. لم يسألني أحد عنك، حيّوني من بعيد، محمد عودة وسعد كامل وراجي عنايت، شوقي عبد الحكيم وسعد وهبة وعبد المعطي حجازي، صلاح عبد الصبور وفاروق شوشة، كل وجهاء ومثقفي المدينة، ميخائيل رومان وكرم مطاوع وحتى حسن محسب ومحمد بركات.
خرج سامي داود مدير مكتب كمال رفعت في أمانة الفكر والدعوة من قاعة الاجتماعات لسبب ما، خرجت وراءه وقدمت نفسي، كان مضطرباً عندما سمع ما قلت عنك في السجن، قال: "لا أعلم ولم يخبرني أحد ولا حتى محمود أمين العالم، لم يقل لي شيئاً"، سألته إذا كان من الممكن مقابلة الأستاذ كمال رفعت؟ قال: "كمال رفعت ما يقدرش يعمل حاجة في الموضوع ده"، استنجد سامي داود بيوسف السباعي، قدمت نفسي للأستاذ يوسف السباعي، صافحني وانصرف بسرعة.
كنت قد كتبت خطابا لثروت عكاشة وزير الثقافة ورئيس المؤتمر، وبعد انتهاء الاجتماع ذهبت إليه وسلمته الخطاب، ابتسم لي ووضعه في جيبه ولم يتوقف حتى أقول له من أنا ولا لماذا هذا الخطاب، ربما اعتبره شكوى من واحدة من الموظفات في الوزارة، قابلني محمود أمين العالم بترحاب وسألني عن أخبارك، قلت له: الأخبار عندكم أنتم، فقال: إن شاء الله سوف يخرج من المعتقل قريبا، طلبت منه موعدا لمقابلته في مكتبه في مؤسسة النشر، وقلت له هناك موضوع آخر أريد أن أتحدث معك فيه، أعطاني موعدا يوم الأربعاء، في الحادية عشرة صباحا في طريقي إلى مسرح الجيب، كنت مرهقة وقرفانة ومصابة بالغثيان، أحس أنني كبرت، عجِّزت.
أمس الأربعاء صباحا، قابلت محمود أمين العالم في مكتبه بالمؤسسة القومية للنشر، كان ودوداً، ولكنه كان مشغولا أيضا، باختصار طلب مني أن أكتب له رسالة موجهة للسيد الرئيس جمال عبد الناصر بصفتي زوجتك، أقول فيها ما حدث وارفقها بنماذج من اشعارك، قال إن وزير الداخلية صرح بأن ليس عليكم غبار سوى أنكم تتكلمون كثيرا وتنتقدون كثيرا وتسخرون كثيرا من النظام، وقال عن اعتقالكم إنه مجرد إجراء تحفظي، ثم قال ممكن لزوجة سيد حجاب أن تكتب نفس الطلب، ثم تراجع وقال: "بلاش سيد حجاب خلينا نركز على الأبنودي"، تكلمت معه عن إمكانية طبع ديوان من أشعارك ضمن إصدارات المؤسسة، وافق، واتفق معي أن أقدم المجموعة مع الرسومات لتأخذ دورها في اللجان المختصة، ثم قال: "إن شاء الله يكون عبد الرحمن قد خرج من المعتقل قبل صدور الديوان"، خرجت من عنده ورأسي تدور، من أقرب كشك به تليفون في الشارع اتصلت بطاهر في جريدة الجمهورية وحكيت له عن المقابلة وكتابة المذكرة التي طلبها العالم لعبد الناصر، قال مترددا: اكتبي على الأقل نستفيد من موضوع الاعتقال للمناقشة وهذا في مصلحة الجميع.
في البيت، جاءت سمية كمال عطية تحمل ابنتها عبير، بعد قليل جاء المغربي ونزلت سمية، ثم جاء طاهر عبد الحكيم وكان يبدو عليه الإرهاق، لم يكن لديه وقت كثير، فسوف يسافر الجمعة إلى نيقوسيا، ولكنه قرر أن يمر علينا للحديث معي، عزمنا عليه بالعشاء رفض، ثم قرر الانصراف، ولكنه فرقع القنبلة قبل انصرافه، قال: "أنا لا أوافق على إرسال أي خطابات لعبد الناصر عن طريق محمود أمين العالم، عليه ألا يتمسح في الوساطة للأبنودي ويقول إنه يسعى للإفراج عن المعتقلين"، ودارت مناقشة حامية بيني وبينه، وكان كمال الأبنودي وعبد العظيم المغربي مشتركين فيها، لم أكن مقتنعة تماما بحجته، وهو كان متعبا ويرغب في الانصراف بعد أن اقتربت الساعة من منتصف الليل، وكان يريد الإسراع إلى بيته لينام، وانصرف اطاهر ولم نصل بعد إلى رأي في الصباح الباكر، ذهبت إلى طاهر في بيته وطلبت منه أن يفسر لي هذا الموقف، وتساءلت: لماذا توافق على أن ألجأ لمحمد حسنين هيكل وأحمد حمروش ولا توافق على وساطة محمود أمين العالم؟ قال: لأن محمود العالم أحد الذين فاوضوا الحكومة على حل الأحزاب الشيوعية في مصر، وهو كشيوعي سابق يرى أن على الشيوعيين أن يحنوا رؤوسهم للحكومة ويلتحقوا بالاتحاد الاشتراكي، ثم ليه محمود أمين العالم ما يتكلمش مع علي صبري من نفسه، هل يصح أن ينتظر منك ورقة يستخدمها حجة، لكي يسعى للإفراج عن المعتقلين؟ هذا إذا كان مقتنعا بالفعل.
لم أر طاهر بهذا الغضب طوال الفترة الماضية، لم أعرف بماذا أرد عليه، فجأة انفجر مرة أخرى وقال: "أنا لا أريد أن يكون في تاريخ الأبنودي أن أحد هؤلاء المرتدين الذين وقّعوا على حل الحزب الشيوعي المصري قد سعى لدى الحكومة لكي يفرج عنه من الاعتقال، وأعتقد إنك لو سألت الأبنودي حيكون رأيه نفس الرأي، ثم استطرد قائلا: "أنا عايز الأبنودي أن يكون بره المعتقل النهارده قبل بكره، ويكون ذلك بسبب أن الحكومة غيرت موقفها من الشيوعيين، وعلى فكرة أنا أعتقد أن الحكومة يهمها وساطة جان بول سارتر، وليس وساطة محمود أمين العالم".
*مصدر الصورة: Getty
حكيت لكمال الأبنودي ما حدث بيني وبين طاهر وسألته رأيه في هذا الكلام، قال بغضب: "بتسأليني ليه، انت عندك اللي بيفكر لك في كل خطوة؟"، ذُهِلت من الإجابة ومن رأي كمال الأبنودي في تصرفاتي، ومن هنا بدأ التوتر، كنت أعتقد أننا أصدقاء وأنه يحترم حيرتي، وفجأة قذف في وجهي برأيه الحقيقي في تصرفاتي، هناك من يفكر لي؟! لم تصبني الحيرة طوال الفترة الماضية كما أصابتني هذه المرة وقررت في خطابي القادم أن أكتب لك وأستشيرك.
أما خطابك رغم سعادتي لمعاودتك الاتصال بي، إلا أني حزينة جدا من هذه الجملة: "كفاكِ خطباً صلعاء يا زعيمة"، لقد سبّب لي هذا الخطاب ارتباكا شديدا، أنت فيه كما أنت، لم يتغير فيك شيء بالنسبة لرأيك فيّ، ورغم كلماتك عن العظمة والحب والفهم والوعي الذي أتسم بها، ولكنك تقول أنني صلعاء وزعيمة، ثم تقول في فقرة أخرى إنني راجل وجدعة! ما هذا الكلام.. إنني أحس بتعاسة تفوق الوصف وأفكر بأنني لست في حاجة لكلماتك ولا أريد خطاباتك ولا شهادة منك ولا أن تصفني أو تصفعني بمعنى أصح وبهذا الشكل، بي رغبة شديدة في أن أكتب لك الآن عن ضرورة انفصالنا، لأول مرة أفكر في الانفصال، لست أدري ماذا حدث لي.. لا أستطيع، حتى أن أقول أنني أحبك تماما.
الثلاثاء 14 فبراير: يوم الأحد خرجت في الصباح لزيارة آمال مطلقة بليغ حمدي بعد عودتها من بيروت، لم أجدها، كلمتها فيما بعد وتواعدنا، كانت رحلة آمال إلى بيروت وإلى لندن مثيرة، قابلت هناك زوجها السابق الأمير العربي وأهدى لها خاتم سوليتير وساعة. حكت لي عن الصحف البيروتية التي كتبت تحتها صورة لها هي وعبد الحليم حافظ: "زوجة بليغ السابقة في حضن عبد الحليم"، حكايات كثيرة من هذا النوع، حكت لي أيضا عن السيارة الفورد موديل 67 والتي من المفروض أن تدفع عنها 5 آلاف جنيه للجمارك، ولكنها سوف تجد طريقة للتخلص من دفع هذا المبلغ، قالت لي إن عبد القادر أقسم لها بحياة أمه وغلاوتها، إن الأبنودي سوف يكون في بيته على العيد الكبير، والأبنودي بالذات! أوصلتني في حوالي الحادية عشرة إلى بيت الخال أحمد مجاهد وذهبت هي إلى بيتها، تناقشنا أنا وهو حول موضوع التظلم، وأخيرا توصلنا إلى أنه سوف يكتب مذكرة قانونية باسمي أنا لوزير الداخلية، وسوف أذهب بها بصفتي زوجتك إلى مكتب الوزير، عدت إلى بيتنا، كنت في حاجة حقيقية لسماع الموسيقى.. أحبك كثيرا.
الإثنين 20 فبراير التاسعة والربع صباحا:
جاء محمود رسام الكاريكاتير بمجلة آخر ساعة ومعه صديقه الموسيقار كمال الطويل، قدمني محمود وابتسم كمال الطويل ابتسامة عريضة لرؤيتي، سأل عنك وتذكر أنني تركت له رسالة في يوم من الأيام بعد اعتقالك، ولكنه لم يتصل بي لأن ليس لدينا تليفون، طلبت منه موعدا لكي أتكلم معه في موضوع أغنية "يا قمر يا اسكندراني، قال في السادسة مساء في مكتبه.
جاءت إيفلين وشوقي - زوجة الشاعر سيد حجاب وقتها وأخوه الشاعر أيضاً ـ إلى البيت وذهبنا جميعا لمكتب كمال الطويل، أخذت معي نص أغنية "يا قمر يا اسكندراني"، كنت قد نسخته من النص المنشور في مجلة صباح الخير، قال إنه يحفظ الكلمات عن ظهر قلب وردد بيتا منها: "كاتب اسمك بالنور ع المدينة"، قال: فيه بعض الكلمات تقيلة في المزيكا وعاوز أغيرها، قلت له: أنت مفوض بالتغيير، قال: عبد الرحمن يزرجن، قلت له: في الظروف دي المهم أن تكون للأبنودي غنوة جديدة في السوق، طلب مني قصيدة (الخواجة لامبو) وقال إن أحد أمنياته تلحين هذه القصيدة، وعدته بأن أحضرها له.
التفت إلى إيفلين وطلب منها دون أن تطلب منه بعض أغاني سيد حجاب. كمال الطويل رجل ذكي ولمّاح وتاجر في نفس الوقت، سأل إيفلين إنتي بتشتغلي إيه؟ فحدثته عن أنها فنانة تصنع الفخّار، وحدثته عن مشروع بيت الفيوم وفرن الفخّار الذي سوف تبنيه هناك، قال بجدية: "يعني مشروع تجاري كبير، تحبي حد يساهم معاكي في المشروع؟"، انزعجت إيفلين جدا وقالت: "لا أنا مش عاوزة، أنا باحب أعمل الحاجة اللي أنا بحبها، وأبيعها للناس أصحابي اللي بحبهم أو للناس اللي بيحبوا شغلي"، لم يسمع كثيرا ما قالت، وبدأ مناقشة التفاصيل، طلب منها رؤية نماذج من إنتاجها، وسألها أن تأخذه معها مرة لزيارة فرن الفخار في بيت الفيوم، سكتت إيفلين ولم تتابع ما يدور.
فجأة تحول مرة أخرى إلى موضوع الأغاني، وعندما يتحدث كمال الطويل عن الأغاني والموسيقى يتحول إلى شخص آخر وتلمع عيناه بتوتر الفنان، وضع يده على سماعة التليفون وطلب نجاة الصغيرة، لم يجدها، التفت إليّ وقال: رأيي كملحن، أصلح من يغني يا قمر يا اسكندراني هو محمد رشدي، قال إنه لحنها على مقام صوت نجاة، فإذا كان محمد رشدي سيغنيها فلا بد من تغيير "فورم الأغنية" على مقام صوت محمد رشدي، في هذه الحالة لا بد من تأجيل تسجيل الأغنية لإنها تحتاج شغل كتير حتى تلائم محمد رشدي، رجوته أن لا يؤجل ويكتفي بأن تغنيها نجاة الصغيرة، وإذا كان يرغب في أغنية لمحمد رشدي فهناك كثير من الأغاني التي من الممكن أن يلحنها له من كلمات الأبنودي، قال: لو تغنيها نجاة يبقى لازم تتغير هي نفسها وتلبس فورم فيروز وأنا حاقولها كده بصراحة، وفجأة غيّر الموضوع وقال: إنتي السبب في إن عبد الرحمن ما كتبلناش غنوة يوليو، قلت: غير صحيح، قال: إنتي قلتي له لا تتعامل مع الناس الوحشين دول أنا وعبد الحليم، قلت: غير صحيح، قال: عبد الرحمن هو اللي قال لنا إنك إنتي السبب، قلت له: غير صحيح، الصحيح أنا لا أتدخل في شغل عبد الرحمن ولكنه أحيانا يأخذ رأيي، إلا أن الرأي النهائي له، لأنه هو الذي يعرفكم أكثر، وأنا لم أطلب من عبد الرحمن أن لا يكتب أغنية يوليو، ثم إن عبد الرحمن رجل عاقل ويعرف مصلحته كويس وليس رأي زوجته هو الذي يؤثر في قراراته، قال: برضه إنتي السبب وهو اللي قال كده، قلت له: يبقى عبد الرحمن بيعطيني قيمة أكبر مني، ووقفت استعدادا لإنهاء المناقشة والزيارة. اصطحبنا إلى الأسانسير وقال: قولي لعبد الرحمن إني باشتغل في يا قمر يا اسكندراني، وعليه أن يفكر في أغنية يوليو، لإني مصرّ إن هو اللي يكتبها السنة دي. سلام. سلام.
الأربعاء الأول من مارس الثامنة والنصف صباحا:
كل شيء يكذب من حولي، أفتح الصحف في الصباح، لا تكف عن الحديث عن الحريات والاشتراكية، جان بول سارتر ودي بوفوار في زيارة لمصر وتملأ صورهما الجرائد والمجلات، انعقاد مؤتمر المحامين العرب، حديث مع الوفد السوداني عن دور المحامين والقضاء في حكم المحكمة الدستورية السودانية برفض حل الحزب الشيوعي السوداني، ثم عبد الناصر يطلب في كلمته للمؤتمر أن يناقشوا "القانون والثورة والحرية". مجرد كلمات.. كلمات تملأ الصفحات وتتردد في الإذاعات وتملأ الشوارع بالإعلانات، وأنتم في السجن بلا قانون ولا حرية، أية اشتراكية هذه التي ينادون بها، وأنتم أية اشتراكية هذه التي تسجنون من أجلها، كل هذا وأنا عاجزة لا أستطيع أن أفعل شيئا، وتأتي أنت وتكتب لي أنك "مسحوق"، ربما أعزي نفسي وأقول في الغد سوف أفعل شيئا، ولكن أي غد، ليس لي غد ولا أمل في أن يكون لي غد، لا أملك غير الإحساس بالقهر، أنا لست عاجزة ولكن أنا مقهورة، القبضة تعصرني ولا أملك غير الدموع.
كان لا بد من البحث عن طاهر. منقذي في هذه الحالات. ذهبت إليه في جريدة الجمهورية، تحاور معي كثيرا ليخفف عني، قلت له لا فائدة وخرجت من عنده كما أنا، لأول مرة أحس بكراهية للعودة إلى بيتنا، كنت أقول لنفسي حتى لو عدت فلن أجدك هناك، تسكعت في شوارع وسط المدينة، في شارع سليمان، قابلت عبد العزيز سالم خارجا من العمل، دعاني على فنجان من القهوة في مكتبه، شكرته وانصرفت، قابلت منير عامر في شارع قصر النيل، أصر على دعوتي لتناول عصير البرتقال، تمشينا حتى الإكسليسيور في شارع عدلي، قلت له إنك تتساءل في خطاباتك: "هل ما زال منير عامر يضع يده في يد الكذب؟ أين أنت يا منير؟"، لم يرد، خرجت من الإكسليسيور لمزيد من التسكع بعد أن افترقنا أنا ومنير، قابلت شوقي عبد الحكيم وجلال العشري، تحدثا معي عن المسرحية التي أمثل فيها وأشادا بقدرتي على التمثيل، لم يخرجني هذا مما أنا فيه، تعبت من المشي والتسكع، ذهبت إلى البيت.
الأحد 5 مارس التاسعة والنصف صباحاً: لم أنم ليلة الجمعة، قلت لك أمي وأختي ناما بجواري، تقلبت كثيرا، حاولت النوم في الحجرة الأخرى ولا فائدة، عدت مرة أخرى إلى جوارهما، ولا فائدة، حتى الصباح لم أذق طعم النوم، بالأمس جاء كمال وكان شوقي يبيت عنده، كان غاضبا من إيفلين، أفطرنا جميعا ثم ذهبت أنا وشوقي للإذاعة، كان شوقي يريدني أن أقدمه لبعض معارفنا في الإذاعة من أجل أن يجد عملا في الكتابة لبرامج الأطفال، قابلنا كامل البيطار، قال: ماهر العطار يريد أغنية من عبد الرحمن وسمع لحنها من إبراهيم رجب، إبراهيم قال لماهر لا بد أن يدفع ثمن الأغنية ولا بد من موافقة عبد الرحمن، قلت: أنا أوافق إبراهيم ولا داعي لتكرار مأساة محمد رشدي ومساوماته على دفع ثمن أغانيه، مسألة دفع حق المؤلف مسألة بسيطة على المطربين أن يفهموها، الأبنودي من حقه أن يتقاضى ثمن كلماته، لأنها مهنته الوحيدة، هذه الكلمات تصنع المطربين وكلهم يستطيعون الدفع فهم يغنونها في كل مكان ويكسبون من مهنتهم، فاطلب من ماهر يا أستاذ كامل، أن يدفع 100 جنيه على الأقل مثله مثل عبد الحليم، كانت عديلة بشارة المخرجة بصوت العرب موجودة ووافقتني على هذا الكلام، قال كامل: لكن ده ماهر العطار، قلت: مين ماهر العطار، قال: غنى لسيد حجاب "ياما زقزق القمري على ورق اللمون"، قلت: الغنوة دي هي اللي شهرت ماهر ومن يومها الناس بتعرفه كويس، ماهر محتاج لكلام الأبنودي، مش العكس، وعليه أن يدفع ثمن جهد الكتابة وإن كانت الـ 100 جنيه في رأيي ليست ثمنا، كان كامل متصورا أنه يسدي إلينا خدمة، أخذ على خاطره وانصرف في هدوء.
إنني أتعجب، لماذا لا يحترم المطربون جهود المؤلفين، أرجوك يا عبد الرحمن، عندما تعود إلى عالمك، أن تطلب أجرا على كلماتك ولا تنتظر حتى تدفع لك شركة الاسطوانات أو تتقاضى بضعة جنيهات من الإذاعة. الفلوس مش وحشة لو معانا. على الأقل من الممكن أن نحقق بها بعض الأمنيات الصغيرة، وتجربة اعتقالك تثبت ذلك، المطربون يملكون العربات الفارهة، ونحن نبحث عن 5 جنيهات لإرسالها لكم في السجن، ولن أنسى عندما طلبت من محمد رشدي 50 جنيها ثمنا لأغنية عدوية، قال لك: "مراتي قالت 30 جنيه كفاية".
الجمعة 10 مارس: اتصل بي رفعت السعيد وقال: "عندك موعد مع وزير الداخلية يوم الثلاثاء"، قالت أميمة معلقة: "فرافير البلد كانت ترفض مقابلتنا وها هو أحد الأسياد يقابلنا"، عرضت عليها أن تأمي معي أنا وإيفلين، رفضت وقالت: "البركة فيكم"، اتصلت بفريدة صلاح عيسى، وافقت، أعطتنا موعدا ولم تحضر، كانت سمية موجودة، فذهبنا ثلاثتنا. يوم الثلاثاء، عند مدير مكتب وزير الداخلية انتظرنا قليلا ثم دخلنا إلى مكتب الوزير، كان يقف على رأس منضدة الاجتماعات آخذاً هيئة رئيس الحكومة، وجهه جاد ولا يبتسم، عندما رآنا، ثلاث فتيات يلبسن نظارات طبية وجوارب سوداء وأحذية منخفضة بدون ماكياج وحتى الشعر كان هواء الخمسين العاصف في هذا اليوم قد عبث به أيما عبث، تقدم هو إلينا وقدمنا له أنفسنا، ابتسم وقال: "على كده انتم أولادهم"، قلت له: "على كده حضرتك تفتكر عبد الرحمن عنده كام سنة؟، أعاد السؤال لي، قلت: "الأبنودي عنده 28 سنة بس"، قال: 28 سنة بس، غير معقول! قالت إيفلين: "وسيد عنده 24 أو 25 سنة"، ولم يسأل زوجة كمال عطية، كانت فاتحة الكلام حتى يمر الموقف علينا جميعا بسهولة.
قدّم لنا علبة فاخرة بها شيكولاتة فاخرة، أخذت اثنتين وقلت: سأحتفظ لحين عودة عبد الرحمن إلى البيت ذكرى مقابلتي لحضرتك، قال: تقدري تاخذي أكثر، ثم سألني: إنتي بتشتغلي؟ قلت: باشتغل ممثلة في مسرح الجيب، قال: يعني مثقفة وتعرفي تفكير جوزك واتجاهاته، قلت: عشت مع عبد الرحمن سنة واحدة، عرفته كإني أعرفه عمري كله، هو بيحب بلده ويكتب أغانيه عن ناس مصر، لحقني بالسؤال: اتجوزتم من سنة واحدة؟ عموما أنا أحترم الأبنودي وسيد حجاب وأحبهم كشعراء، وصلاح جاهين جاني هنا ودافع عنهم، وطالب بالإفراج عنهم، وقال إنهم شباب من الشعراء المتمردين، قلت: الفنان ممكن يكون متمرد على القوالب والأشكال القديمة في الفن، عموما شعر الأبنودي بيقول هو مين، أشعار مصرية من شاعر مصري صميم، حتى آخر قصيدة كتبها عن فيتنام، قصيدة من رجل يحب السلام ويدعو للسلام ويحب الإنسانية. وجدتها مناسبة لتقديم شكواي، قلت: المباحث سرقت كل ما كتب الأبنودي بخط إيده، وأنا أتقدم الآن بشكوى رسمية لحضرتك، أنا أريد استرداد هذه الكتابات، قال: سترد لك وكلها في الحفظ والصون، ثم قال ضاحكاً: تضمني عبد الرحمن؟، قلت مازحة: "حضرتك عايزني أكتب ورقة أقول فيها إنه حسن السير والسلوك وحيمشي على الخط المستقيم؟".
تبادل بعض الحديث مع إيفلين وعرف منها إنها خواجاية سويسرية، وتحدثت سمية عن قطع مرتب زوجها، وأنها تجد صعوبة مادية في العيش بدون مرتب كمال عطية، قبل انتهاء المقابلة قلت له أريد وعداً أو موعداً للإفراج عن المعتقلين، قال سوف أرسل لهم ليأتوا لمقابلتي، وسوف أناقشهم بنفسي، ثم أرفع تقريرا للسيد رئيس الجمهورية، قلت: أرجو أن يقضوا العيد الكبير معنا، يكفي أن العيد الصغير قضيناه وحدنا، قال: بإذن الله. خرجنا إلى مدير مكتبه، رن جرس التليفون، رفع السماعة، السيد الوزير يطلبه، عاد إلينا وقال: السيد الوزير طلب مني استدعاء الأبنودي وسيد حجاب وكمال عطية من المعتقل لمقابلته غدا الأربعاء، خرجنا نحن الثلاثة خارج مبنى وزارة الداخلية وكأن الحياة تبتسم لنا لأول مرة.
الأحد 12 مارس في العاشرة صباحا: السبت صباحا كان لا بد أن اذهب إلى الإذاعة لكي أحصل على ورقة من العقود بأنك قبضت مبلغ 10 جنيهات فقط مقابل أغنية "يا أسمراني" حتى تُخصم من أجرك الذي ستتقاضاه عن الأغنية من شركة اسطوانات صوت القاهرة، قال لي العم عمري إن هناك في الخزينة إذن صرف لأغنية جديدة "زغرط يا دخان المصانع" سجلتها الإذاعة بصوت المجموعة من تلحين علي فراج، جاء بليغ حمدي بالصدفة، رحب بشدة كعادته عندما يقابلني بالصدفة، قال إنه كان يرغب في تسجيل أغنية "الهوى هوايا"، في الأسبوع الماضي بصوت عبد الحليم ولكنه لم يعثر على النص كاملا حتى عند عبد الحليم، وإنه يرى إمكانية أن تخرج أسطوانة عليها أغنيتان "الهوا هوايا" و"الليل والسواقي"، وقال إنه يعمل على تلحين أغنية "العقد الكهرمان" لمحمد رشدي، وطلب مني أغنيات أوبريت "برج الغلابة" لكي يبدأ في تلحينها، قلت: حاضر إن شاء الله.
أذكر مقابلتي للصديق عبد الملك خليل، كان عبد الملك يتحدث الفرنسية بطلاقة، ولذلك اختاره لطفي الخولي رئيس تحرير مجلة الطليعة مرافقا ومترجما خاصا لجان بول سارتر وسيمون دي بوفوار، مندوبا عن مؤسسة الأهرام، أذكر إن عبد الملك قال لي إنه حضر المقابلة مع سارتر وسيمون والسيد الرئيس جمال عبد الناصر، وقد أثار سارتر بالفعل موضوع الاعتقالات بدون محاكمات لليسار المصري، وتساءل سارتر كيف أن عبد الناصر الرجل الثوري يسمح بأن يعتقل المفكرون والشعراء والكتاب في عهده، وقال عبد الملك إن عبد الناصر رد على هذا بقوله: "أي رئيس دولة في العالم لديه أجهزة الأمن المختلفة التي تحمي نظامه، عندما يتقدم أحد هذه الأجهزة بطلب اعتقال مجموعة من الأفراد ويقول هذا الجهاز إن هؤلاء الأفراد خطر على أمن الدولة وأنهم يتآمرون على قلب نظام الحكم، ماذا يفعل الرئيس في هذه الحالة؟"، ثم قال عبد الناصر دفاعا عن الموقف: أنا قلت حققوا في الموضوع وأتوني بالنتائج، ولم يحدث حتى الآن أن أتوني بالنتائج! ووعد السيد الرئيس بأن يتعجل توضيح هذا الأمر وبسرعة.
...
ثم تختم عطيات الأبنودي مذكراتها بهذه الفقرات شديدة الدلالة على مسار علاقتها بعبد الرحمن الأبنودي بعد خروجه من المعتقل، برغم أن الانفصال الذي حدث بينهما تأخر سنوات طويلة:
"ربما، القبض على يحيى بعد أن كان عدم القبض عليه، حجة المباحث في عدم تقرير نهائي وإقفال التحقيق مع المعتقلين، وربما، دلالة موافقة وزير الداخلية على مقابلة الزوجات، بعد أن طلبنا ذلك مرارا وتكرارا عبر كل القنوات، وكان الرد دائما بالرفض أو التسويف، ربما مقابلة وزير الداخلية لعبد الرحمن الأبنودي وسيد حجاب وكمال عطية كما سمعنا، خرج الثلاثة من المعتقل في عربة البوليس إلى مكتب وزير الداخلية، واستمرت المقابلة أكثر من ساعة، ثم عادوا إلى المعتقل مرة أخرى، كان هذا حدثا في تاريخ المعتقلين السياسيين، أن يخرج المعتقلون بملابس السجن لمقابلة وزير الداخلية، ثم يعودون إلى السجن مرة أخرى، واعتُبرت هذه المقابلة علامة من علامات قرب الإفراج عن المعتقلين، ربما، بعض الضغوط السياسية من بعض المنظمات الدولية المهتمة بحقوق الإنسان قد أتت فعلها، وأخيرا حديث سارتر مع عبد الناصر، ربما كل هذه الأحداث جعلتني أصدق أن الإفراج عن المعتقلين سيكون وشيكا، وجعلتني أتوقف عن الكتابة اليومية، بدأت أعود لكتابة رسالة واحدة أعلقها على الباب عند خروجي أسميتها: "أين أنا"، وأكتب فيها خط سيري، أين سأكون وفي أي وقت ورقم التليفون حتى يمكن الاتصال بي، وكنت دائمة الحلم بهذه اللحظة التي سيخرج فيها عبد الرحمن من السجن، ويعود إلى البيت، أتصورها في المساء دائما كما حفظت السيناريو من أميمة، سيجد رسالتي: "أنا في المسرح"، سيجري إليّ عابرا ميدان التحرير إلى كوبري قصر النيل ثم يمينا إلى مسرح الجيب، يشاهدني وأنا أمثل، يصفق لي، ثم يأخذني بعد انتهاء العرض عائدين، عابرين لكوبري قصر النيل، نقف قليلا لتأمل النهر تحت أضواء القاهرة، ثم نمشي إلى ميدان التحرير ثم إلى بيتنا في 5 شارع مصطفى أبو هيف، الدرمللي سابقا، كان علي أن أذهب إلى المسرح، هذا الذي لا أستطيع عنه الاعتذار، في موعد المسرح خرجت وتركت رسالة "أين أنا" على باب الشقة:
إلى الواد حبيبي الذي أنتظره كل ليلة. أنا في المسرح "الجيب" وموجودة هناك حتى العاشرة. تليفون المسرح: 805842 ـ 805862 توقيع عدوية.
ذهبت إلى المسرح، كنت أريد أن أحكي لكل من يقابلني ما حدث، أوصيت العاملين على شباك التذاكر والواقفين على باب المسرح بأن يدخلوا الأبنودي عندما يأتي، إما إلى الصالة أو إلى الكواليس أن أمكن، بدأ العرض، بحثت عنه بين المتفرجين، بحثت عنه في الكواليس، لم يأتِ، وبدأت دقات قلبي تضطرب، ترى ماذا حدث؟ أسدل الستار على المسرحية، لم أسمع تصفيق الجمهور في هذه الليلة، خرجت من باب المسرح في حوالي الساعة العاشرة، أخذت تاكسي إلى البيت، في البيت وجدت عبد الرحمن، كان قد وصل منذ ساعتين، لم أسأله: لماذا لم يتصل بي بالتليفون ليخبرني بوجوده، ولم يجر إلى المسرح عابرا ميدان التحرير إلى كوبري قصر النيل، ثم يمينا إلى مسرح الجيب، ولم يشاهدني وأنا أمثل، ولم يصفق لي، ولم يأخذني بعد انتهاء العرض عائدين، عابرين كوبري قصر النيل، ولم نقف قليلا لنتأمل النهر تحت أضواء القاهرة، ولم نمشِ سويا إلى ميدان التحرير، ولم نصعد سلالم بيتنا معا في 5 شارع مصطفى أبو هيف، الدرمللي سابقاً".
...
بهذه الفقرات أنهت عطيات الأبنودي مذكراتها عن فترة اعتقال زوجها السابق عبد الرحمن الأبنودي والتي تضمنت رسائلها إليه، لتبدأ بعد سنوات نشر فصول جديدة من قصتها معه خلال فترة سفرها خارج مصر لدراسة السينما، وهو ما تضمنه كتابها الجميل (أيام السفر)، الذي أرجو أن تكون لنا فرصة للتوقف عنده مستقبلاً، كما أرجو أن يتاح لي كتابة ما أعرفه وما عايشته مع الراحلين الكبيرين عبد الرحمن الأبنودي وعطيات الأبنودي، عليهما ألف رحمة ونور.