يمثّل كتاب "التنمية الثقافية: الصناعات الثقافية والإبداعية في المغرب" للباحث المغربي محمد بهضوض، والذي صدر حديثاً عن "منشورات وزارة الثقافة" المغربية، تتمّة لرباعية تناولت بالنقد والتحليل الوضع الثقافي في البلاد؛ إذ أصدر الباحث العام الماضي ثلاثية تحت عنوان "التحدّي الثقافي في المغرب"، حملت أجزاؤها عناوين "المغرب الثقافي" و"المشهد الثقافي" و"الفكر الثقافي".
تلتئم الأجزاء الأربعة داخل خيط ناظم؛ هي المسألة الثقافية في المغرب، وتتجاوز التشخيص لتتوقّف عند تحليل عدد من القضايا الثقافية ذات الصلة بالتراث واللغة والتربية والقيم والمعرفة والدين والجمهور والوساطة والصناعة والتداول الثقافي. كما يندرج البحث ضمن النقاش العام الذي يشهده المغرب حول استراتيجية "ميثاق وطني للثقافة".
يشير الباحث مراد العلمي الريفي، في مقدّمة الكتاب، إلى أن "إعداد دراسة عن أصول ومكوّنات الرأسمال الثقافي في المغرب يكتسي أهمية حيوية لجملة من الأسباب، من بينها توجّه الدولة إلى تشخيص أوّلي لمكامن رأسمالها غير المادي بهدف تثمينه والعمل على وضعه في صلب سياساتها العمومية".
يرتبط الكتاب بجانب من هذا الرأسمال غير المادي، ويقترب من أوجه ارتباط الثقافي بأوجه الحياة المجتمعية، مستخلصاً أن التنمية لا يُمكنها أن تبلغ أهدافها المنشودة من دون دعم الإبداع وضمان حرية التعبير والتعدّد الثقافي".
يثير بهضوض، في مقدمته، إشكالية "غياب إرادة لدى الدولة لاستثمار الرصيد التاريخي والثقافي الغني والمتنوّع للمغرب"، مذكّراً بأن البلد احتلّ رُتبة متدنّية في مؤشّر التنمية (130 عالمياً). هنا، يورد مزيداً من الأرقام التي تعكس هذا الوضع؛ فعلى مستوى التجهيز، يتوفّر المغرب على نحو 600 خزانة و553 داراً للشباب و122 قاعة عرض و101 رواق تشكيلي و31 قاعة سينما و40 متحفاً.
وعلى مستوى مجتمع المعرفة، احتلّ المغرب الرتبة 110 في جودة التعليم، و129 في مجال الإبداع، و125 في البحث العلمي، و83 في براءات الاختراع. وفي مجال حماية التراث، جرى حماية وترميم 400 موقع تاريخي من بين 16 ألف مواقع موجودة.
وفي الإنتاج الثقافي، يشير إلى رقم ألفي كتاب و15 فيلماً وبين 50 و60 مسرحية في السنة. هنا، يؤكّد مجدّداً على "الإرادة السياسية" كشرط لوضع استراتيجيات للصناعة الثقافية والإبداعية متوافق بشأنها.
يأتي الكتاب ضمن مشروع يهدف إلى تقديم معطيات دقيقة حول الشأن الثقافي، والمساهمة في إعادة فتح النقاش بإشراك الفاعلين الثقافيين الأساسيين؛ في خطوة أولى نحو "مشروع وطني للثقافة".
مع أن الباحث ينبّه إلى أنه "من الصعب، في عصر الفراغ واللايقين وتراجع الأيديولوجيات، معرفة المستقبل أو ضبطه وتحديده بواسطة أي مشروع أو استراتيجية أو تخطيط مسبق"، فالمستقبل، بحسبه، هو ما "يصنعه الأفراد والمجتمعات كلّ يوم عن طريق العمل".