"تذكرتان إلى صفورية" هي الرواية الأولى للكاتب الفلسطيني، سليم البيك، والتي صدرت مؤخراً عن دار "الساقي"، بعد تجارب للكاتب في القصة القصيرة والشعر، وفيها يطرح سؤال الهوية الفلسطينية التي تعيد الظروف تشكيلها جيلاً بعد جيل، وصولاً إلى الجيل الثالث من أبناء النكبة.
تنقسم الرواية إلى عدة "مرورات" إن جاز التعبير، الأول مرور من تولوز، والثاني من اليرموك، والثالث مع ليا، والختامي تنتهي به الرواية هو المرور إلى صفورية. وفي كل مرة تسير شخصية يوسف البطل الثلاثيني الذي توزّع تاريخه الشخصي بين جد فلسطيني خرج من صفورية إلى سورية، إلى أب خرج من سورية للعمل في الخليج، حيث ولد يوسف، وحتى عودته المؤقتة والسريعة إلى مخيم اليرموك في دمشق، ثم الاضطرار إلى مغادرته مع اللاجئين السوريين إلى أوروبا، حيث ينتقل للعيش في تولوز إحدى مدن الجنوب الفرنسي.
تبدأ الرواية وتنتهي في المطار، وكأنها تختصر علاقة الفلسطيني بالمكان بعلاقة المسافر بالمطار وانتظار المغادرة إلى المجهول. أضاءت فصولها على الأسئلة الحياتية الدقيقة والصغيرة من شراء الخبز، والرغبة في الجنس والحب، والتنزه في الشوارع، والعلاقة مع الأهل، ودمجتها هذه التفاصيل المعيشية بالأسئلة السياسية والهوياتية الكبرى، من أنا؟ كيف أتخيّل؟ ماذا أريد بالضبط؟ كيف أعبّر عن الثقافات التي أحملها من دون أن أبدو معتوهاً؟
في الفصل الأول من الرواية نمرّ على تفاصيل علاقة يوسف مع مدينة تولوز، التي أقام فيها لمدة تمكّنه من الحصول على الجنسية الفرنسية، إلا أن أسئلته اليومية فيها والتي تتنوّع ما بين العلاقة مع الذات والعلاقة مع الآخر تظلّ تكرّر نفسها كأن يوسف يعيش أول أيام غربته، وما يبقي على تدفق هذا الشعور بالاغتراب المستمر هو إدراكه لشخصيته وهويته المركبة، وإحساسه بعدم الاستقرار. من هنا يقررالعودة إلى صفورية مدينة جدّه، في محاولة لإسكات شياطين الأسئلة وإقناع نفسه بأنه ينتمي إلى مكان وسيعود إليه.
أما الفصل الثاني، فيضيء على عبور يوسف من مخيم اليرموك في دمشق ثم الخروج منه، ويدخل في تفاصيل رحلة تهريب مريرة وصعبة، بات الجميع يعرف ما فيها من ذل وإرهاق وخطر. نتعرف خلال الرحلة على حياة يوسف في المخيم، التي تشبه حياة العديد من أبنائه، من دون أن يشعر أنه واحد منهم، لأنه وُلد وعاش في دبي.
في الفصل الثالث يروي الكاتب علاقة يوسف بـ "ليا"، حبيبته الفرنسية التي نسج البيك قصتهما بطريقة تنهزم فيها إشكاليات الهوية أمام العاطفة، ولأول مرة يساوي اختلاف ثقافتي يوسف وليا الصفر تقريباً أمام حالة الحب التي تظهرهما متشابهين.
يأتي هذا دون أن ينسى يوسف أسئلته حول هويته ومن يكون والكيفية التي يفهم بها الآخر جنسيته، ففي الصفحات التي يذهب فيها يوسف إلى طاولات الشيوعيين الفرنسيين، حيث عرض عليها مجموعة نشطاء بضعة منتجات تلخّص فلسطين في دولة حدودها الضفة وغزة، تعود أسئلة يوسف لنفسه عمّن هو، وكيف يمكن أن يشرح لهؤلاء المتضامنين أنهم يتضامنون مع ما يراه فاقداً للشرعية كدولة، وأنّ فلسطينهم أصغر بكثير من أن تضمّ كل الفلسطينيين على اختلاف الظروف التي مرّوا بها منذ عام 1948.
الفصل الأخير، بعنوان "مارّاً إلى صفورية"، نرى يوسف وليا يجلسان في المطار بانتظار السفر، أمام كل هواجس يوسف، وشعوره بأنه سيخسر فلسطينه الشخصية ما إن يرى فلسطين، كما يتحدث الاثنان عن إنجاز يوسف لروايته، فيتداخل البيك في السرد للحظات مع الشخصية، ويفكر في أن فلسطين التي حملها على أكتافه جيلاً بعد جيل، تغيرت، وتغير أهلها كلما طال عمر البعد ونأت العودة إليها، وتعقّدت القضايا وتاهت في زحمة التفاصيل.