تقديم الكتاب إلى القارئ العربي اليوم يثير سؤالاً: لماذا نترجم مِل اليوم؟ وفي الحقيقة إن الإجابة الأساسية تكمن في أثر مِل على عصرنا، فلا تكاد تخلو نظرية اقتصادية ليبرالية نعيشها من روح مِل ونفَسه فيها.
من جهة أخرى، فالكتاب بمثابة دراسة موسّعة عن علاقة مِلْ بكثير من مفكّرين عاصروه، من بينهم أستاذه جيريمي بينثام وجايمس مِلْ إلى جانب أوغست كونت وجورج غروت وهارييت تايلور مِلْ. كما يتطرّق العمل إلى المصادر التي اعتمد عليها مل في فلسفته النفعية؛ ومن بينها سقراط وأفلاطون وأرسطو وهوبز ولوك وهيوم.
لا يقتصر العمل على تأثّر مِل، بل بتأثيره أيضاً، فقد كانت فلسفته النفعية أساساً لنظريات الاقتصاد العالمي التي تلته ويعيشها العالم اليوم ومن بينها الليبرالية.
وفي 13 فصلاً تتّبعت منطق مِل ولحظاته المختلفة من "السقراطية" إلى تأثّره بالأعراف الأرسطية في القياس المنطقي ودراسة المغالطات الباطلة، حيث آمن مِل بأن حرية التعبير تؤدّي وحدها إلى الحقيقة.
وحول منهج الإصلاح، تناول روزن مفهوم مِلْ لمنطق علم الاجتماع والسياسة، حيث استخدم التعارض بين الليبراليين والمحافظين كي يبيّن كيف تتعايش مواقف تبدو ألّا سبيل إلى توافقها، وكيف يتحقّق إذًا الإصلاح السياسي.
كما يتطرّق بحث روزن إلى مراجعة مِلْ النقدية للمفهوم التقليدي لعلم السياسة، وبحثه عن الأسس الأكثر عمقاً لدراسة السياسة في علم الإثولوجيا. ويعرض أهمية هذا العلم وعلاقته بفن السياسة، ومفهوم مِلْ للإثولوجيا السياسية بوصفها فرعاً في علم الاجتماع الذي "إذا اكتمل، فإنه جدير بأن يحلّ محلّ الدراسة العامة لأشكال الدساتير وينقّحها، مع استكشافٍ أكثر دقّة علمية للمجتمعات السياسية".
في سياق آخر، يتناول الكتاب علاقة فكر مِل بأوغست كونت. كما يدرس المراسلات المتبادلة بينهما، ويعتبر الكاتب أنّ هذه المراسلات تكشف "عن خجل مِلْ من عمله ورغبته في اعتبار كتاب المنطق عملاً موقتاً، يلائم الشخصية الإنكليزية وقتها، وتفرّعاً من أعمال كونت التي عرفت علم فلسفة المدركات الحسّية الوضعية".
في الكتاب أيضاً ستة فصول مخصّصة لـ مبادئ الاقتصاد السياسي، حيث يناقش روزن في دائرة الحرية، والصلة بين مناقشة الحرية في كتاب "المبادئ"، ومقاله المعنون بـ"عن الحرية". فيبدأ في تفريق مِلْ بين الحريتين المدنية والاجتماعية.
الكتاب أشبه بمنشور له زوايا عديدة، يُمكن من خلالة رؤية زمن مل والأزمان التي سبقته وتلك التي تلته، من جهة علاقتها بالمفكّرين والفلاسفة.