انتقل فيدريكو غارثيا لوركا إلى نيويورك عام 1929، حيث أقام فيها نحو عشرة أشهر احتشدت بمجالسات مع عدد من الشعراء والنقاد الإسبان فيها ومنهم فديدريكو دي أونيس وداماسو آلونسو وأنخيل دِلْ ريو، وجولات إلى أحيائها ومعالمها التي كتب عنها في عدد من قصائده.
نظر الشاعر الإسباني (1898 -1938) إلى المضطهدين والمهمّشين في المدينة الأميركية، متتبعاً صرخات السود الذين كانون يعانون حينها أبشع أشكال التمييز العنصري، وإلى الحياة الخاوية التي خلّفتها تلك الحداثة الفارغة من الروح، والتوحّش الذي لا تخفيه ناطحات السحاب.
صدرت حديثاً طبعة ثانية من كتاب "الشاعر في نيويورك: فيدريكو غارثيا لوركا" بنسخة كيندل عن "منصة الأدب العام"، والتي تتضمّن مجموعته الشعرية التي كتبها خلال التحاقه بـ"جامعة كولومبيا" مع ملحق حول السياق التاريخي لتلك المرحلة.
يشير الكتاب إلى أن صاحب "ديوان التماريت" وصل المدينة مع بدايات الكساد الكبير الذي حلّ بها نهاية عشرينيات القرن الماضي، مع انهيار سوق الأسهم الأميركية حيث توقّفت اعمال البناء وانهارت الزراعة والصناعات، ما خلّف آلاف الجوعى والعاطلين عن العمل.
تقدّم المجموعة الشعرية صورة عن نيويورك التي يسكنها الفقر والعنصرية والاضطراب الاجتماعي والعزلة، والمسمّمة بجمالها المدمَّر، وكانت قد نُشرت للمرة الأولى بعد مرور أربعة أعوام على إعدام لوركا، الذي وضع أكثر من مسوّدة منها قبل أن يتمّها.
في قصيدة "رقصة الموت" يكتب: كان الزمن زمن الأشياء الجافة/ زمن السنبلة في العين والقط المحنط/ زمن الجسور الهائلة يكسوها صدأ الحديد/ وصمت الفلين المطبق/ كان الاجتماع العظيم للحيوانات الميتة/ تخترقها سيوف الضياء/ البهجة الزبدية للخرتيت ذي الحوافر الرمادية/ والغزالة التي تحمل زهرة الأزل في حلقها.
اعتبرت قصائد المجموعة أشبه بنبوءة يعود إليها كثير من الشعراء والقرّاء على حد سواء، بحسب مقدّمة الكتاب، كما عادوا حين وقعت أحداث أيلول/ سبتمبر عام 2011 مع انهيار برجي التجارة العالميين، مع رثائه لذلك الاسمنت والزجاج التي تحتمي ورائها المراكز الرأسمالية التي حوّلت أبناءها إلى حشود بشرية بلا رؤوس، مع سقوط مريع للقيم الإنسانية في ظلّ حياة باردة خالية من الأمل.