يحظى ويليام وردزوورث إلى اليوم باهتمام واسع لكتابة سيرة حياته من قبل باحثين ومؤرخي الأدب والنقّاد مثل هنتر ديفس وستيفن غل وجوليت باركر، والذين تناولوا جوانب عديدة من حياته تتعلّق بعزلته بالقرب من بحيرة دستركت في إنكلترا، وفقده والدته في السابعة من عمره ثم والده بعد عدّة أعوام، واثنين من أطفاله الخمسة.
قاربت تلك السيَر التأثيرات الشخصية والعائلية وكذلك التغيّرات السياسية والاجتماعية الكبرى في حياة الشاعر الإنكليزي (1770 – 1850) الذي تحتفي الأوساط الثقافية الأنكلوسكسونية بمرور مئتين وخمسين سنة على مولده هذا العام، باعتباره واحداً من الأباء المؤسّسين للحركة الرومانسية في الشعر البريطاني.
"وردزوورث الراديكالي.. الشاعر الذي غيّر العالم" عنوان الكتاب الذي يصدر نهاية الشهر الجاري عن "منشورات جامعة ييل" للباجث والروائي البريطاني جوناثان بيت، وفيه يركّز على دور الثورة الفرنسية التي ابتهج بها صاحب "أزهار النرجس البرية" في تحوّلات الكتابة لديه.
يلفت المؤلّف إلى أن السيرة الذاتية الشعرية التي كتبها الشاعر نفسه غيّرت الطريقة التي نفكّر بها تجاه الطفولة إلى الأبد، وكذلك الإحساس بالذات في الواقع والقصيدة، والعلاقة مع الطبيعة، ولماذا نكتب الشعر، موضّحاً أن حياته كانت أيضاً ثورية بالمعنى الكلاسيكي للمفردة، بقدر ما كان فنّه مستمدّاً من الذاكرة ويمثّل عودة إلى الماضي، وإلى الطفولة والصبا على نحو أساسي.
يتتبّع الكتاب لحظات منتقاة من حياة وردزوورث تنفتح على ما أسماه هو "أماكن الاختباء لقوّتي"، مضيئاً على رحلته الأولى إلى فرنسا سنة 1791 حيث كان مبهوراً بالجمهورية التي انبثقت عقب الثورة، كما افتتن بامرأة فرنسية، تدعى أنيت فالون، والتي أنجبت ابنتهما كارولين في العام التالي، لكن مشاكله المالية وتوتّر العلاقات السياسية بين لندن وباريس آنذاك، أجبرته على العودة إلى إنكلترا عام 1793، والتي أثارت حيتها الشكوك حول رغبته في الزواج من فالون، فرغم دعمه لها وعدم تخلّيه عن ابنته إلا أنه ظلّ زواجاً غير شرعي.
أصيب ووردزورث بخيبة أمل من تداعيات الثورة الفرنسية من قتل وتنكيل وإرهاب قام به قادتها، ثم اندلاع الأعمال العدائية المسلحة بين بريطانيا وفرنسا، والتي حالت دون رؤية أنيت وابنته لعدّة سنوات، كما يتناول بيت صداقته المتينة مع صامويل تايلر كولريدج وحضورهما في قلب الحركة الرومانسية، وكيف تراجع ووردزورث لاحقاً عن أفكاره الراديكالية إلى عالم خيالي منكفئاً على الذات، إلا أن تأثيره على العديد من المفكّرين والكتّاب ظلّ مستمراً طوال القرن التاسع عشر في كلّ من بريطانيا والولايات المتحدة.