"إميل منعم" لـ لارا بلعة: التصميم فناً وتقنية

06 مارس 2022
إميل منعم، 2019 (ميخائيل سعد)
+ الخط -

نجد في أسفل غلاف كتاب لارا بلعة "إميل منعم، إنعاش الصحافة العربية بواسطة التصميم الغرافيكي"، عبارة "مكتبة التصميم العربي 6". ليس الكتاب، إذاً، وحيداً؛ فهو السادس في ما يبدو سلسلةً. مع ذلك، يبقى العمل فريداً، فلسنا نجد بسهولة، في المكتبة العربية، كتاباً مثله لا يعالج التصميم الغرافيكي الصحافي فحسب، بل يتناول واحداً من روّاده الأحياء العاملين إلى الآن فيه.

إميل منعم (1951) صاحب تجربة طويلة ومتنوّعة في هذا المجال. أمّا المؤلّفة، لارا بلعة، فهي بحسبه أيضاً مصمّمة غرافيكية، أسّست محترفاً للتصميم ودرّسته في "جامعة بيروت العربية" و"الجامعة اللبنانية الأميركية". إنّنا الآن أمام كتاب متخصّص (صدر عام 2019) غير مألوف - بهذه الصفة - كثيراً في المكتبة العربية، وإذا كان لنا، والموضوع التصميم، أن نلتفت الى تصميم الكتاب نفسه، فإننا نخرج بنموذجٍ في هذا الفنّ. لا بدّ لنا أن نلاحظ الفرق بين حجم اسم المؤلّفة الصغير واسم إميل منعم الكبير قبالته، وكأنّ في ذلك لعبة المقياس التي ذكرتها المؤلفة في كلامها عن فنّ منعم. هنا يكاد العنوان يشي بتواضع المؤلّفة، وريادة منعم في التصميم.

منعم، في التصميم، هو الفنان نفسه الذي بدأ طليعياً بالتشكيل

لا يغفل الكتاب عن الفنّ الصحافي، فهو رغم انشغاله التقنيّ وخوضه في مفردات التصميم، لا يبتعد عن السرد الصحافي. نعثر هنا على سيرة سلِسة لإميل منعم في الحياة وفي الفنّ وفي التصميم. هذه السيرة تتوقّف عند مفاصل جذّابة وحميمية في ذات الوقت. تتوقّف هنا، عن قصد، أمام خال إميل، الأب طانيوس منعم. لا يعود ذلك فقط إلى تأثير الخال الجلي في قريبه، إنّما يعود، في الوقت ذاته، إلى شخصية الخال وفضاءاته الفكرية والخاصّة.

فالأب الذي طالما أيّد لاهوت التحرير في أميركا الجنوبية، وتوثقت صلاته بـ"الحزب الشيوعي اللبناني"، ما دعا إلى تسميته الكاهن الأحمر، كان أيضاً قريباً للغاية من فنّاني تلك الحقبة؛ ميشال بصبوص ورشيد وهبي وميشال المير وناظم إيراني، كما كان قريباً كذلك من أدبائها، الشاعر القروي ورئيف خوري وسواهما.

غلاف إميل منعم - القسم الثقافي

ولا بدّ أن الفتى إميل التقى بهؤلاء في دار الخال واقتفى أثرهم، فهو، كما تذكّرنا المؤلّفة، رسّام وناقد فنّي وكاتب ومصمّم غرافيكي. أتيح لي في الشباب أن التقي بإميل منعم وأن أتعرّف عليه، في تلك الآونة، بوصفه فنّاناً تشكيلياً، وأذكر أنه كان، في فنّه، طليعياً وواعداً. كان ينطلق في ذلك من تجارب وآفاق غير معتادة أو دارجة في فن ذلك الوقت. الأرجح أنه في التصميم لا يزال الفنّان نفسه.

التصميم. نعم التصميم، لا بدّ أنه يجمع بين الفن والتقنيّة والحِرفة، بحيث أن الفنّ نفسه يكاد يتوارى خلف ذلك. التصميم يُضمر الفنّ، ويُضمر الرؤية، وقد يُضمر الموقف والفكرة والرأي بدون أن يطفو ذلك، وبدون أن يُفصح عنه وينطق به. هذا الإضمار وذلك الخفاء - اللذان يكونان أحياناً صوراً وإشارات - هما فنّ التصميم. لكنّ التصميم أيضاً تقنيّات، وهذا بحدّ ذاته فنّ أيضاً له مسارُه وقابليّاته وتجديده وابتكاراته.

لم يحوّل الفن إلى دعاية سياسية بل ابتكر لغة توحي بالموقف

هذا ما لا تغفل عنه المؤلّفة، بل هي تحاول أنْ توازي، ما أمكن، بين التقنيّة والموقف والإشارة. هذا ما يجعلها تسعى إلى أن تجد في التصميم لا صورةً فقط، ولكن خطّاً أيضاً يشفّ عن موقف متوارٍ في اللعبة. يتيح لها ذلك ماضي إميل منعم الذي كان ذا اتّجاه سياسيّ منذ البدء. فعلى طريق خاله طانيوس منعم، انتسب إميل إلى "الحزب الشيوعي اللبناني"، وعلى طريق مجلة "فلسطين الثورة"، شارك بفنّه وتصميمه في شتّى المناسبات النضالية.

لكنّ إميل المناضل لم يكن من الزمرة التي تحوّل الفنّ إلى بروباغندا، أو إلى دعاوى أو إلى إذاعة سياسية. كان استغراقه في الفنّ وفي أدواره وآلياته وإشاراته يدفعه إلى أن يبتكر لغة خاصّة وكنايات واستعارات ورموزاً وإشارات، تُضمر الموقف وتوحي فقط به.

لكنّ الفنّ هو الشاغل الأوّل في عمل إميل على الخطّ والصورة، يوازي ما بينهما ويبتكر توازنات جديدة وخطوطاً أُخرى. من هنا عمله على الخطّ الكوفي ومن هنا ابتكاره، في "الأخبار" و"العربي الجديد" بشكل خاصّ، لعائلاتِ خطوطٍ، ومن هنا شغله في الملصقات على معادلات ثانية، ومن هنا لعبة المقياس التي تستخرج من التناقض أفكاراً وموازينَ أُخرى.


* شاعر وروائي من لبنان

المساهمون