"التقدم نحو الكارثة" لبلال خبيز: ما بعد الفن

22 اغسطس 2021
بلال خبيز
+ الخط -

يتراءى لأول وهلة أن العنوان "التقدّم نحو الكارثة" متفارق فالدارج أن التقدّم إيجابي، يمكن أن نفهم توّاً أن العنوان مقصود. بلال خبيز مثل آخرين ليست هذه مقالته في التقدّم، إذ سرعان ما نقع على حكم من مثل "لا يكون المستقبل واضحاً... إلا حين يقود إلى الهاوية". وما زلنا في العنوان فإننا نقف عند لفظة "الكارثة" لنجد مقابلها في الكتاب: "الكارثة تقع على غير توقع، ولا يمكن حساب احتمالاتها". نستطيع أن نفترض بلغة الكتاب أن "الكارثة" لمستقبل مأمول، بقدر ما هي تخلّف، وبقدر ما هي انفصال عن المدينية أو جنوح إلى البربرية.

يمكن إدراج الكتاب بحذر في باب النقد الفني، ولو أن الناقد الفني، بحسب خبيز، هو الفنان نفسه الذي يشرح نصه بنص موازٍ "قد يكون أكثر تعقيداً". إن مدخلنا إلى الكتاب وما يخرج به الكتاب أو يخرج عنه هو معارض وأعمال فنية لمروان رشماوي، ووليد صادق، وطوني شكر، ووليد رعد، وخليل جريج، وجوانا حاجي توما، وأيمن تراوي.

يضيف خبيز إلى هؤلاء سينمائيين كغسان سلهب وأكرم زعتري وأدباء كجبور دويهي وباحثين كوضاح شرارة وأحمد بيضون. بل نحن إذا تحرّينا أسماء الأعلام الواردة في الكتاب، أمكننا أن نضيف لاكان وفرنسيس بيكون وسلمان رشدي وهنري ميللر وجيل دولوز ودافيد وكيفن كارتر وجان بودريار. حشد من أدباء ومصوّرين ومفكرين يتوزّع على عدد قليل نسبياً من الصفحات، لكن التنقل بين هذه الأسماء وما يستعار منها يتم على نحو سلس ومطبوع، بحيث إن النص الذي يحصل من اجتماعها متماسك ومتناغم ومحكم.

حشد من أدباء ومصوّرين يتوزّع على عدد قليل من الصفحات

ينطلق بلال خبيز من معارض وأعمال فنية، لكن منذ البداية يعرّفها بأن "هذا النوع من الفنون يستند إلى علاقة مختلفة تماماً عن العلاقة التي تُقيمها الفنون الكلاسيكية مع النقد الفني". هذه الفنون ليست كلاسيكية إذا رجعنا إلى تاريخ الفن المعروف، والذي يخصّ تسمية كلاسيكية بطور قديم من الفن، فالكلاسيكية هنا هي مفهوم الفن نفسه، والخروج عليها خروج عن الفن في صيغته كلها، والنقد الذي ينتج عنه هو الآخر فن أو نص موازٍ للفن، فنحن حيال فن يتمرأى، ليس في نقد الفن وحده وإنما نقد الحياة والمدينة بالأخص. 

هكذا تبدو الكارثة المقبلة إذا اتخذنا من بيروت أنموذجاً لها، بل إذا دخلنا منها إلى المدينة ككل، تبدو غشاً وازدراء وعاراً وعبادة للموضة وعُجمة للغة والمواطنة كامتياز وليس اكتساباً وبداهة التكلّف، وأن لا يظهر في المدينة المعاد إعمارها أي أثر للآلام التي سبقتها، وتحويل الصور شواهد إثبات، وتحويل الموجودين سائحين مشتبهاً بهم وتحويل الشاهد إلى متّهَم.

التقدم نحو الكارثة

نحن هنا أمام عدة روايات للكارثة، التي لم نتقدّم نحوها فحسب، بل صرنا في غمارها. لكن بلال خبيز يخرج من صور المدينة إلى الصورة بالمطلق، قبل أن يعاود التركيز على الصور الذي خرجت من بيروت وعنها. نقف هكذا أمام الصورة التي الابتسامة توقيع عليها، والصور التي تدّعي الغفلة. لا بد أن نعود إلى مرآة لاكان التي تفصل بين الجسد كأجزاء والجسد ككل، وأن نعود إلى رواية سلمان رشدي "أطفال منتصف الليل" كتجسيد روائي للنظرية اللاكانية، وما نستنتجه من لوحة ماري أنطوانيت لدافيد وصورة كيفن كارتر للطفل تحت القمام الذي ينتظر فريسته. نفهم أن الصور كما نجدها عند محسن مخملباف هي استشراف لمستقبل مأمول، ففي أقسى الصور هناك ما يسميه بلال خبيز لمسة الرقة، حيث اللمس لا العين كما نستنتج من لوحة كوربيه "نشأة العالم" هي الأساس.

لمسة الرقة هذه نجدها أيضاً في صورة الفلسطيني المتطلع إلى السماء التي لم يتبق له سواها. هذه اللمسة، لا نجدها في الصور اللبنانية للوسط التجاري أو الريفولي. لهذا أحدث خليل جريج وجوانا حاجي توما هذا الحرق في الوسط التجاري، رفضاً لأن تكون هذه الصور هي مستقبل المدينة.


* شاعر وروائي من لبنان

المساهمون