تعدّ الحرب من المواضيع الأثيرة لدى المفكّرين، من اليونان القديمة إلى زمن ما بعد الحداثة. لكن الحرب كانت دائماً في النظريات مفهوماً متعالياً قلما جرى تنزيله إلى الأرض، في ما عدا بعض المحاولات الروائية أبرزها أعمال ليو تولستوي وزفيتلانا ألكسفيتش، كما أن الحرب من منظور فكري مجتزأة، وهو ما يشير إليه الباحث الفرنسي غيوم باريرا في كتابه الأخير "الحرب الأهلية: تاريخ فلسفي وسياسي" (منشورات غاليمار ضمن سلسلة "فكر المدينة").
يجعل باريرا غياب مفهوم "الحرب الأهلية" عن المدونة الفكرية الحديثة والقديمة مدخلاً للمواضيع التي يناقشها في كتابه، فحضور الحرب القوي وشبه غياب التنظير حول الحرب الأهلية أمر مستغرب، فلماذا يسكت الفلاسفة عن الحرب؟
يلاحظ باريرا أن اسماً مثل "الثورة الفرنسية" يخفي كون هذا الحدث التاريخي حرباً أهلية وبالتالي لا يتناولها المفكرون باعتبارها كذلك، ومن ثم لا يمكن أن نخرج بتنظير من مادة لا يراها الفلاسفة. يمكن قياس الأمر نفسه في معظم المحطات التاريخية التي تسمّت باسم ثورة، مثل الثورة الإنكليزية والثورة الروسية والثورة الألمانية.
أما الملاحظة الأكثر عمقاً فهي أن الحروب الأهلية التي تسمّت بهذا الاسم بشكل واضح (إسبانيا، الولايات المتحدة الأميركية، وحتى روما في العصور القديمة) فهي لم تشهد مواكبة فكرية، حيث يتحدّث الفلاسفة عن فكرة الحرب في عموميتها وليس ضمن خصوصية الحرب الأهلية.
هكذا، يشير باريرا إلى مفارقة كون الحرب الأهلية طاردة للفكر، فكأنها لم تترك أحداً يفكّر فيها، وهي في ذلك عكس الحرب التي تمثّل أحد أكثر المواضيع جاذبية للفلاسفة.