ينشغل الباحث العراقي عبد الجبّار الرفاعي (1954) بإعادة فهم الظاهرة الدينية نظرياً، ومن ثم يحاول استئناف علاقة مثمرة بين الثقافة العربية والدين، وضمن هذا السياق تندرج أبرز أعماله: "مصادر الدراسة عن الدولة والسياسة في الإسلام" (1986)، و"مقدّمة في السؤال اللاهوتي الجديد" (2005)، و"إنقاذ النزعة الإنسانية في الدين" (2012)، و"الدين والظمأ الأنطولوجي" (2015)، و"الدين والاغتراب الميتافيزيقي" (2018).
كتابه الأخير، "الدين والكرامة الإنسانية" الصادر مؤخراً عن "دار التنوير" (بيروت، القاهرة، تونس) و"مركز دراسات فلسفة الدين" (بغداد) يأتي ضمن هذا المشروع كما أنه في الوقت ذاته تنويع عليه حيث لا نجد اهتماماً بهذا التقاطع بين الدين والكرامة الإنسانية في المدوّنة البحثية العربية.
يقيم الباحث العراقي بنيان عمله انطلاقاً من قناعة مفادها أنه لا يمكن أن نفهمَ الدينَ قبلَ أن نفهمَ الإنسانَ أولًا، وحاجة هذا الأخير لمعنى لحياته، وأيضاً حاجتَه للكرامة والمساوة والحرية. يرى الرفاعي أن "إعادةُ تعريف الإنسان هي المدخلُ الصحيح لإعادةِ تعريف الدين وكيفيةِ فهمه وتفسيرِ نصوصه، بالشكل الذي يصيرُ الدينُ فيه مُلهِمًا للعيش في أفق المعنى".
يكتب الرفاعي في تقديم عمله: "لم أرَ ما هو أشدُّ أثرًا من الدين في حياة الفرد والمجتمع، ولم أرَ ما يمتلك كلَّ هذا الحضور الطاغي والتأثير الهائل كالدين، وتظلّ دراستُه العلمية وتفسيُر تعبيراته المتنوّعة منسيةً في مؤسّسات التربية والتعليم العالي والثقافة والإعلام في بلادنا. الدينُ يتغلغلُ في كلِّ شيء في حياتنا بصورةٍ ظاهرة وخفية، كلُّ محاولةٍ لإعادةِ البناء التربوي والتعليمي والثقافي، وإعادةِ بناء المجتمع لا تبدأ بإعادةِ تعريف الإنسان، وإعادةِ تعريف الدين، وبناءِ فهمٍ جديد لنصوصه، تموتُ لحظةَ ولادتها".
ويضيف: "قراءةُ نصوص الدين برؤيةٍ تنتمي للتراث أهمُّ أسبابِ انسدادِ الآفاق المضيئة لفهم الدين، وتعطيلِ حضوره الإيجابي الخلّاق في حياتنا. يفرض الواقعُ إعادةَ تعريف الدين وقراءةَ نصوصه برؤيةٍ تنتمي إلى عالَمنا، كي تنتج المعنى الديني المتناغم مع إيقاعِ حياتنا ومتغيراتِها المتواصلة".
وضمن هذا التقديم يضيء مجمل المشروع فيقول: "كتاباتُنا المنشورةُ عن الدين تنويعاتٌ لرؤيةٍ واحدة، رؤية تحاول أن تتعرّف على الدين عبر اكتشافِ الإنسانِ، والتعرّفِ على حاجتِه المزمنة للدين، ووجودِ كلِّ شيءٍ من أجله بوصفه الغايةَ، لأنه خليفةُ الله في الأرض".