عن "سلسلة دراسات التحول الديمقراطي" في "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، صدر حديثًا كتاب "العدالة الانتقالية والانتقال الديمقراطي في البلدان العربية؛ المجلد الأول: حالات عربية ودولية" لمجموعة من المؤلفين، بتحرير عبد الفتاح ماضي وعبده موسى.
يشارك في المجلّد الأول الباحثون: أحمد إدعلي، وأحمد أنداري، وجيريمي ساركين، وعبد العزيز الطاهري، وعبد الفتاح ماضي، وعبده موسى، ومحمد أحمد بنيس، ومحمد سعدي، ومحمد مزيان، ومحمود حمد، ونبيل زكاوي.
يطرح المشاركون في الكتاب عدداً من الأسئلة، منها: كيف يمكن التعامل مع مطالب ضحايا انتهاكات الأنظمة القديمة بتحقيق العدالة وكشف الحقيقة واستعادة الذاكرة وجبر الأضرار؟ وما المصالحة؟ وهل يمكن تحقيق هذه الأهداف تزامنًا؟ وكيف يمكن التوفيق بين محاسبة منتهكي حقوق الإنسان في الأنظمة القديمة واستقرار النظام الديمقراطي الوليد؟ وما العمل مع مَن كانوا جزءًا من مؤسسات القمع في الأنظمة السابقة؟ وما ضمانات عدم تكرار تلك الانتهاكات؟ وما طبيعة الإجراءات التي اتُّخذت في التجارب العربية المحدودة؟ ولِمَ أخفقت؟ وهل يمكن العدالة الانتقالية أن تكون مدخلًا لانتقال ديمقراطي وتحقيق مصالحات سياسية واجتماعية شاملة في بعض الدول العربية؟
يبحث الكتاب كيفية التعامل مع مطالب ضحايا انتهاكات الأنظمة القديمة بتحقيق العدالة واستعادة الذاكرة وجبر الأضرار
وبحسب الكتاب، فقد أصبح واضحًا أن العدالة الانتقالية، من الناحية النظرية ووفقًا لتطبيقها في سياقات محددة، لم تُطبّق دائمًا بصرامة؛ لذلك يجب المواظبة على التحقّق من فاعليتها، وكذلك تطبيقها ضمن حالات معينة، ولا سيما آلياتها. فالدول، عندما تضع آليات العدالة الانتقالية، تراعي في تصميمها مجموعة مزايا مرتبطة بحقوق الإنسان والديمقراطية. وهذا أمر بالغ الأهمية، لا سيما أنّ كثيرًا من المجتمعات التي تحدث فيها انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان تعاني انقسامات قائمة على قضايا الهوية.
ويوضّح العمل أنه في الوقت الحاضر، وجزئيًا بسبب الانتقادات التي انتشرت في دراسات العدالة الانتقالية، صار لزامًا على المجتمعات التي تتطلَّع إلى تنفيذ العدالة الانتقالية طرح أسئلة إضافية، من بينها: متى يجب تطبيق العدالة الانتقالية؟ وهل يمكن تطبيقها حتى قبل الانتقال؟ وهل فاعليتها مشروطة بتنفيذها من جانب الدولة؟ وبحسب الكتاب، فقد تفضي الإجابات عن هذه الأسئلة إلى اعتماد نهجٍ أفضل في تحقيق العدالة الانتقالية، إضافة إلى جعلها أكثر قابلية للتطبيق العملي على عدد أكبر من الحالات.
يناقش المؤلفون نماذج في بلدان عدّة منها جنوب أفريقيا جيث نجح الانتقال الديمقراطي، على الرغم من المخاطر التي كانت تتربّص به. ومثّل نجاح الفاعلين في تيسير الانتقال الديمقراطي في بلد جماعاتي مكلوم ومتعدد الأعراق إنجازًا تاريخيًا مُلهِمًا، وكذلك التجربة المغربية التي تضمّنت مجموعة من الترتيبات والإجراءات التي تهدف إلى الانتقال من دولة سلطوية إلى دولة ديمقراطية تحترم حقوق الإنسان، لكن هذا التحول ظل بطيئًا وغير منتهٍ ورهين صراع بين ديناميتين، الأولى إصلاحية والثانية محافظة. ومن ثمّ، فإذا كان المغرب قد اجتاز، مقارنةً بالكثير من دول محيطه العربي الإسلامي، أشواطًا كبيرة على سكة التمهيد للانتقال الديمقراطي، فإنه يعرف في الوقت نفسه بعض المؤشرات التي تعاكس ذلك.
إلى جانب ليبيا، حيث عقّد الواقع الاستثنائي للدولة، بعد عقود من هيمنة القذافي، جهود إنشاء منظومة للعدالة الانتقالية في ليبيا بعد الثورة؛ فلم تقتصر انتهاكات حقوق الإنسان على فترة حكم النظام السابق، إنما تبعها العديد من الانتهاكات التي يرقى معظمها إلى جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية خلال الحرب الأهلية وبعد إطاحة النظام. ويضاف إلى ذلك مشكلة الميليشيات والجماعات المسلحة؛ ما عرقل جهود نزع السلاح وتحقيق العدالة والمحاسبة. يفاقم ذلك كله فشل الحكومات المتعاقبة منذ الثورة في إحكام سيطرتها على الأوضاع الأمنية، وتورّط جهات تابعة لها في عدد من الانتهاكات، بما في ذلك استمرار الاعتقالات والاحتجاز غير القانوني والتعذيب والقتل خارج القانون.