إلى جانب إصدار كتب الباحثين العرب، خصّص "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" سلسلة "ترجمان" لتعريب الأعمال الفكرية والبحثية من ثقافات أخرى. في عشر سنوات، سنقف على عدّة كتب ساهمت في تغذية ثقافتنا بالنظريات والمفاهيم الحديثة.
عادة ما يكون هناك فارق زمنيّ يمتدّ لعقود بين صدور الكتب الفكرية بلغاتها الأصلية وترجمتها إلى الضاد، حيث تنتظر الثقافة العربية - في الغالب - صعود نجومية باحث أو مفكّر حتى يبدأ مترجموها في نقل أعماله. ضمن باقة الأعمال التي قدّمتها سلسلة "ترجمان"، سنجد أن هذه الفجوة قد تقلّصت في كثير من الأحيان من عقود إلى بضع سنوات، كما فتحت الاختيارات على طيف من الباحثين الجدد وانشغالات راهنة. هنا إضاءة على عشرة منها.
"ولادة الطب السريري" (2018) لـ ميشيل فوكو، ترجمة: إياس حسن
رغم أن ميشيل فوكو (1926 - 1984) أحد أكثر المفكرين الغربيين حضوراً في الثقافة العربية، إذ تعدّدت ترجمات أعماله، وكذلك مقالاته ومحاضراته، كما صدرت عنه الكثير من الدراسات العربية وجرى اعتماد منهجياته بشكل واسع، إلا أن كتابه الأول الذي صدر عام 1963 ظل غائباً عن المكتبة العربية حتى 2018.
يندرج العمل في المشروع الأوسع لـ فوكو وهو التقاط الخطاب الضمني للسلطة كما في "المراقبة والمعاقبة" و"تاريخ الجنسانية". في "ولادة الطب السريري" يضيء هذا الخطاب عبر فهم مأسسة الطب وتحويل الطبيب إلى سلطة.
"شبكات الأمل والغضب" (2018) لـ مانويل كاستلز، تـرجمة: هايدي عبد اللطيف
قدّم المفكّر الإسباني مانويل كاستلز (1942) رؤية نظرية عامة للعالم راهناً بفضل صهره بين نظريات تخصصه الأصلي في علم الاجتماع، وعلم الاتصال باعتبار أن موضوعه يمثّل أحد أهمّ محرّكات التغيير اليوم.
"شبكات الأمل والغضب" هو أحد آخر كتبه (صدر في 2012)، وفيه يدرس أثر تكنولوجيات التواصل الحديثة على المسارات السياسية عبر فهم استعمالاتها من قبل الحركات الاحتجاجية. يضيء كاستلز نماذج من إسبانيا و البرازيل وتركيا، كما يخصّص فصلاً لحضور التكنولوجيا في "الربيع العربي".
"المتخيلات الاجتماعية الحديثة" (2015) لـ تشارلز تايلور، تـرجمة: الحارث النبهان
منذ إصداره كتاب "مصادر الذات" (1989)، اتخذ المفكّر الكندي تشارلز تايلور (1931) موقعاً أساسياً في خريطة الفكر العالمي، إذ قدّم مقترحات بارزة لإدارة مجتمعات متعددة الهويات كبلده كندا. ولمّا كان من الممكن أن نرى العالم نموذجاً لتعايش أطراف متعدّدة الهويات، كان من المنطقي أن يتخذ فكر تايلور بعداً عالمياً.
يشبه كتابه "المتخيلات الاجتماعية الحديثة" (2004) إضاءة لمختلف انشغالاته البحثية من مسألة التعدد الثقافي إلى قضايا الحداثة والدين والعلمانية، مشيراً إلى فضل مفهوم "المتخيّل الاجتماعي" في الربط بين كل هذه الإشكاليات النظرية والعملية.
نظرية الفعل التواصلي (2020) لـ يورغن هابرماس، تـرجمة: فتحي المسكيني
رغم أنه يعدّ عمله الأبرز، وأنه صدر منذ عام 1981، فإن كتاب "نظرية الفعل التواصلي" للمفكر الألماني يورغن هابرماس (1929) بقي غائباً عن الثقافة العربية حتى العام الماضي حين صدر في مجلدين "عقلانية الفعل والعقلانية الاجتماعية"، و"في نقد العقل الوظيفي".
يقدّم العمل تأمّلاً معمّقاً في التواصل البشري من منظورات فلسفية ولسانية وسوسيولوجية، يجادل من خلاله هابرماس مجمل تاريخ الفكر البشري ويعيد بناء نظرية شاملة للتواصل.
"أزمنة متصدعة" (2015) لـ إيريك هوبزباوم، تـرجمة: سهام عبد السلام
اشتهر المؤرخ البريطاني إيريك هوبزباوم (1917 - 2012) برباعيّته: "عصر الثورة"، و"عصر رأس المال"، و"عصر الإمبراطورية"، و"عصر التطرّفات". بدا كما لو أنه توقّف في مسحه التاريخي عند منتصف القرن العشرين، لكننا يمكن أن نقرأ كتاب "أزمنة متصدعة: الثقافة والمجتمع في القرن العشرين" - الذي صدر بعد رحيل مؤلفه بعام باعتباره تتمة للرباعية.
الكتاب مجموعة محاضرات ألقاها هوبزباوم بداية من 1964 يربط بينها خيط ناظم يتمثل في متابعة التاريخ الثقافي لأوروبا وانعكاسات الأحداث الكبرى على الأدب والفن.
"العقلانية والحرية" (2017) لـ أمارتيا سن، تـرجمة: شهرت العالم
بفضل نيله جائزة نوبل للاقتصاد عام 1998، أصبح المفكر الهندي أمارتيا سن (1933) أحد أشهر أسماء المعرفة الحديثة، لكن هذا التتويج حصره في تخصّصه الاقتصادي وعدد من الإشكاليات التي اشتغل عليه مثل التنمية وعلاقة التنظيم السياسي بالرخاء الاقتصادي.
لم يكن تقديم إضافة في هذه السياقات ممكناً لولا اشتغال فكري ومفاهيمي قدّمه سن، ومن ذلك كتابه "العقلانية والحرية" الذي يتقفى فيه استعمالات المفهومين ويقيس أثرهما في الواقع الملموس للمجتمعات.
"المجتمع الشبكي" (2015) لـ دارن بارني، تـرجمة: أنور الجمعاوي
على الرغم من كون مصطلح الشبكة كمفهوم قد انبنى متأخّراً وضمن سياق تطوّر التكنولوجيا الحديثة، إلا أنه سرعان ما أصبح نموذجاً نظرياً يمكن أن نقارب به مجمل العلاقات البشرية.
في كتابه "المجتمع الشبكي" الذي صدر أوّل مرة في 2004، يشير الباحث الكندي دارن بارني (1966) إلى حضور الشبكات بات أعمق، فهي تمثل "روح عصرنا" وهو ما يوضّحه بالقول "إن المبادئ التأسيسية للشبكات أصبحت قوة محرّكة للحياة الفردية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية".
"اللاهوت السياسي" (2018) لـ كارل شميت، تـرجمة: رانية الساحلي وياسر الصاروط
يعدّ المفكّر الألماني كارل شميت (1888 - 1985) أحد أبرز المؤثرين في الفكر السياسي المعاصر، لكنه ظلّ شبه غائب في الثقافة العربية، وقد يعود ذلك لتباعد الإشكاليات التي طرحها عمّا انهمك فيه معظم المشتغلين بالفكر العربي، وربما أيضاً لتشابك الخلفيات القانونية والفلسفية والسياسية في أعماله.
يجمع كتاب "اللاهوت السياسي" بين عملين لـ شميت، هما "مفهوم الحكم" و"أسطورة إنهاء كل لاهوت سياسي"، وبذلك يتيح الكتاب أن نفهم تطوّر مقاربات المفكر الألماني بين عقدي العشرينيات والثلاثينينات من القرن الماضي.
"علامَ يُطلق اسم فلسطين؟" (2012) لـ آلان غريش، ترجمة: داليا سعودي
في 2010، أصدر الباحث والصحافي الفرنسي آلان غريش (1948) كتاب "علامَ يُطلق اسم فلسطين؟" كإعادة تركيب لـ"سردية القضية الفلسطينية" في مواجهة الرواية الصهيونية الرائجة في الغرب من دون العودة إلى أي وجهة نظر أخرى، ولا حتى فحص متانتها المنطقية.
ينطلق غريش من مقولة "بناء دولة على أرضٍ من دون سكان" ليكشف هذا التواطؤ الغربي، والذي يمتد إلى اليوم بدعم "دولة عدائية" تجسّد أطروحة "صراع الحضارات" كما يبيّن إمكانية بناء نظام عالمي عادل.
"النظرية الجنوبية" (2020) لـ ريوين كونيل، ترجمة: فاروق منصور
في منتصف القرن العشرين، جرى كشف النزعة المركزية والكولونيالية لعلم الاجتماع، وهو ما اقتضى إعادة بنائه مجدّداً بإدماج جغرافيات متنوّعة من العالم. في كتابها "النظرية الجنوبية: علم الاجتماع والديناميات العالمية للمعرفة" تضيء الباحثة الأسترالية ريوين كونيل هذه الجهود، ودعوة لمزيد إثرائها ومن ثمّ بناء علم اجتماع عالمي جديد متعدّد الأصوات تحضر فيه مجتمعات تقع خارج العواصم الأوروبية والأميركية الشمالية.