ما زالت "جائزة المغرب للكتاب" تثير علامات استفهام وسجالات مختلفة، آخرها قرار وزارة الثقافة بسحب الجائزة من المتوّجين بها كـ"عقاب" على مراسلة جماعية طالبوا فيها بالعودة إلى النص القانوني المنظّم لها وتمكينهم من قيمة الجائزة كاملة وليس مناصفة.
قبل ذلك كثيراً ما أثيرت انتقادات حول تشكيل لجانها التي طالما قيل بأنه يتم تفصيلها على مقاس مرشّح ما، ناهيك أنه من الممكن أن نجد عضواً متأبداً في اللجنة لا يغادرها إلا لكي يترشح وينالها، ودون مناصفة، لأنّ المناصفة تحدث فقط مع المغضوب عليهم، حتى تكون النعمة نقمة، فيصير المجد وبالاً على صاحبه وتكون النعمة من أجل استضافة الأصدقاء في عشاء.
نذكر جميعاً كيف كانت المناصفة غير منصفة يوم نالها القاص أحمد بوزفور والشاعرة وفاء العمراني مناصفة، فلما امتنع عن استلامها أحمد بوزفور ببيانه الذي بَثّ فيه موقفه المبدئي الذي صدم القائمين على الثقافة في البلاد، طالبت الشاعرة وفاء العمراني بأن تنال المبلغ المالي للجائزة كاملاً، ورُفض ملتمسها حتى يعاد لخزينة الدولة.
لم يستند قرار الوزير إلى القانون بقدر ما رغب في إنزال العقاب
كثيرة هي الشطحات التي يذكرها المتابعون لأمور الثقافة في المغرب بكثير من الهزل مثل أن "جائزة المغرب للكتاب" في صنف الترجمة صارت جائزة للتاريخ بقدرة قادر، لأن أحد أعضائها المتأبدين ينتمي لحقل التاريخ، وهو حاضر ليجيز أصدقاءه ومقربيه، وهو الذي حصد الجائزة مرتين خلال غيابه الاضطراري عن لجنة التحكيم، كما لا ننسى تدخل "المستوزر الخلدوني" في شؤون لجنة أحد الأصناف مطالباً بعدم منح الجائزة لمرشح بدعوى أنه ليس في حاجة إليها ولا يجب أن تُمنح له، بل ووقعت مشاحنة محتدمة بين الوزير ومدير الكتاب ولم يغمض له جفن حتى أقال مدير الكِتاب من مهامه، ذاك الوزير الذي سيذكر المهتمون بالثقافة في المغرب أنه ألغى التعويض الجزافي للكتّاب المغاربة المشاركين في أنشطة معرض الكتاب بالدار البيضاء، وستبقى الرسالة الموجهة إليه من قبل الشاعر المغربي عبد الكريم الطبال شاهدة على زمن الأفول الثقافي بالمغرب في عهد "معذبتي".
"جائزة المغرب للكتاب" تعيش اليوم أزمة حقيقية تجدّدها مراسلة عدد من الفائزين بها مديرة الكتاب بخطاب جماعي، يشرحون لها فيها الحيثيات التي توجب مكافأتهم بقيمة الجائزة كاملة حتى لا يتم تأويل المناصفة بأنه نصف قيمة الجائزة، معتمدين في ذلك ما ينص عليه المرسوم المنظم للجائزة، إذ تقول المادة 13 من المرسوم: "يمنح الفائز بجائزة المغرب للكتاب: شهادة، تذكاراً، ومبلغاً صافياً قدره مائة وعشرون ألف درهم (120.000 درهم)".
ويستند المطالبون التسعة بتفعيل المادة 13 من المرسوم المنظم لجائزة المغرب للكتاب في رسالتهم لمديرة الكتاب أنه "لا وجود لمادة تنص على المناصفة في المرسوم، وعبارة (الفائز) تنطبق على كل مرشح للجائزة ظفر عمله برضا اللجنة المختصة. لذلك وجب تمكينه من قيمتها كاملة، كما هو منصوص عليه في المادة المذكورة (...) وإذ نراسلكم بهذا الخصوص، فلأمل أن تعملوا على تصحيح الوضع وتمكين الفائزين من مستحقاتهم كما هو منصوص عليه بالمادة 13 من المرسوم أعلاه".
كثيرة هي شطحات الجائزة وتجاوزات لجانها
لكنّ رد الوزير الذي لم يتأخر، لم يستند إلى منطوق النص القانوني المنظّم للجائزة، معتبراً أنّ مراسلة الفائزين التسعة بالجائزة تستند فقط إلى تأويل، وأنّ الجائزة لها مكانة اعتبارية ومعنوية و"لا يجوز اختزالها في قيمتها المادية". ويبدو أنّ وزير الثقافة في المغرب نسي أنّ قطاع الثقافة خلال السنتين الأخيرتين عرف بؤساً وعوزاً لا يمكن أن يقارن بأي قطاع آخر بسبب جائحة كوفيد 19 وأن المشتغلين بالأدب والفكر والفن يطمحون إلى أن يكفل لهم المجال الذي ينتجون فيه أعمالهم حياة كريمة، وأن قيمة الجائزة كاملة (ما يعادل 12 ألف دولار تقريباً) لا تضمن لهم مصاريف الحياة الباهظة التي يزداد أوارها كل يوم، إذ يجدون أنفسهم محاصرين بإكراهات الغلاء والفواتير المسعورة، بل إن الوزير وكأنه أهداهم مبلغاً من حر ماله إشفاقاً على حالهم، يخبرهم أنه يستردّ المبلغ متى يشاء وأنى يعن له ذلك، يقول الوزير في رسالته: "نخبركم بكل أسف، عن سحب وزارة الشباب والثقافة والتواصل للجائزة الممنوحة مناصفة لأعمالكم".
إن الجائزة مُنحت بناء على تقارير لجان، والمطالبون بالحق يستندون إلى منطوق المرسوم المنظم للجائزة، فبأي حق وبأي نص قانوني يسمح وزير الثقافة لنفسه بأن يسحب الجائزة من مستحقيها...
* شاعر ومترجم من المغرب