في اليومين الماضيَين، شهدت الجزائر موجةَ حرائق اجتاحت 14 منطقة شمال البلاد، كان أشدُّها أوّل أمس الأربعاء، والتي أتت على نحو 1800 هكتار من الأحراش و800 هكتار من الغابات في ولايات الطارف وسطيف وسوق أهراس وجيجل وسكيكدة وتيبازة، وأدّت إلى مقتل 38 شخصاً وإصابة 183 آخرين.
وذكّرت الموجةُ الحالية بما عاشته البلاد صيفَ العام الماضي؛ حيث تسبّبت الحرائق، التي اندلعت في أكثر من 18 ولايةً، وكان أسوأها في ولاية تيزي وزّو، في إتلاف أكثر من مئة ألف هكتار من الغابات، ومصرع تسعين شخصاً.
ويوم أمس، أعلنت وزارة العدل عن فتح تحقيقات قضائية ضدّ مجهولين، وهو ما يُعزّز تبنّي السلطة نظرية وجود "مخطَّط تخريبي"، خصوصاً مع إعلان قوّات الدرك عن اعتقال ثلاثة أشخاص بالقرب من الطارف بتهمة إضرام النيران في محاصيل زراعية. لكنَّ هذه النظرية لا تلقى إجماعاً في الشارع الجزائري، حيث ينتقد كثيرون غياب خطابٍ إيكولوجي لدى السلطة، يأخذ التغيُّرات المناخية التي تشهدها الجزائر، والعالم، على محمل الجد.
في منشور له على فيسبوك، فسّر نوري دريس أستاذ علم الاجتماع في "جامعة لمين دباغين" بسطيف موجاتِ الحرائق المتتالية في السنوات الأخيرة بما عاشته الجزائر خلال الأزمة الأمنية في التسعينيات، والتي غيّرت، حسب قوله، من صورة الغابة لدى السلطة؛ حيث "لم تعُد ثروةً ولا نظاماً بيئياً يجب المحافظة عليها بل معقلاً للإرهاب ومصدر خطر"، مُضيفاً أنّ "الإهمال الذي طاول الغابات يجد جذوره في هذه النظرة السلبية للغابة. وإلّا بماذا نفسّر تحويلها لمكبّ نفايات عشوائية؟ وغياب التجهز بالوسائل المادية الحديثة لمكافحة النيران، وغياب أيّ تصوُّر لمكافحة الحرائق على مستوي الجماعات المحلية، وتحوُّل حملات التشجير إلى فولكلور لتبذير ونهب المال العام؟".
وأضاف دريس: "ستنتهي هذه المأساة حين تنظر السلطة والمجتمع إلى الغابة على أنّها ثروة يجب الاعتناء بها، ومصدر خطر إذا جرى إهمالها".
ورغم مرور سنةٍ على أسوأ موجةِ حرائق عاشتها الجزائر في تاريخها المُعاصِر، بدا أنّ السلطاتِ لم تستفد مِن تلك التجرُبة المريرة، ما تسبّب بتكرار الأخطاء نفسها، وهو ما انتقده الصحافي بو طالب شبّوب الذي كتب: "سنةٌ تقريباً فصلت بين موجتَي الحرائق. سنةٌ لا حسّنت فيها الحكومة أدوات الرصد، ولا شقّت طُرقاً داخل الغابات لتسهيل وصول سيّارات الإطفاء والإسعاف، ولا استطاعت تحسين ردّة الفعل تجاه الكوارث الطبيعية، ولا أجْلت الناس استباقياً منذ جرى رصد شرارات الحريق الأُولى المصحوبة برياح قوية".
وتساءل شبوب: "في هذه السنة، ما الذي فعلته الحكومة؟ ما الذي فعله الرئيس؟ هل قاموا بأي شيء ذي فائدة؟".
أمّا الشاعر علي مغازي، فشبّهَ الحكومةَ بتلميذ يتقدّم لامتحان في "إطفاء الحرائق"، لكنّه يحصل كلّ مرّة على علامة صفر.
من جهته كتب الباحث في علم الاجتماع ناصر جابي: "الحرائق بكمِّ ضحاياها كلّ سنة ليست قدَراً محتوماً أمام الجزائريّين.. احذروا من تراكُم حزن وغضب الجزائريّين".
واليوم الجمعة، أعلنت "الحماية المدنية" عن السيطرة على كلّ الحرائق، بينما أعلن رئيس الوزراء أيمن بن عبد الرحمن، أمس، عن الشروع في تعويض المتضرّرين مِن ابتداءً مِن الأسبوع المقبل.
وعلّق الروائي كمال قرور: "جميلٌ أنْ تتكفّل الدولة بتعويض المواطنين عن خسائر الحرائق. لكنّ الأجمل أن تُسارع الدولة وتتدخّل لمنع الحرائق أو التقليل من خسائرها".
في سياق متّصل، أعلنت وزارة الثقافة، في بيان أمس الخميس، عن تعليق وتأجيل كلّ التظاهرات الفنية إلى وقت لاحق، "تضامناً مع أُسر الضحايا والمصابين جرّاء حرائق الغابات المندلعة في عدد من ولايات الوطن".
كما أعلن والي سطيف، شرق البلاد، عن "تعليق" الدورة السادسة عشرة من "مهرجان جميلة الدولي"، والتي كان مقرَّراً تنظيم فعالياتها بين الثاني والعشرين والسادس والعشرين من آب/ أغسطس الجاري.
من جهتها، أعلنت جمعيات ثقافية عن تأجيل فعالياتها الثقافية والفنّية أو اختصارها؛ ومن بينها "الاتحادية الجزائرية للثقافة والفنون" التي نظّمت في الأيام الثلاثة الماضية تظاهُرة بعنوان "اليوم الوطني للشعر"؛ حيث اختصرت حفل اختتام الفعالية ليقتصر على توزيع الجوائز على الشعراء الفائزين في مسابقتها وقراءة القصائد الفائزة.