أحمد حلمي عبد الباقي.. رئيس "حكومة عموم فلسطين" وصاحب الرباعيّات

29 يونيو 2024
أحمد حلمي عبد الباقي في بورتريه لأنس عوض (العربي الجديد)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- أحمد حلمي عبد الباقي، شاعر واقتصادي ورجل دولة فلسطيني، لعب دورًا محوريًا في الحركة الوطنية الفلسطينية، حيث أسس البنك العربي وشارك في تأسيس بنوك أخرى لدعم الاقتصاد الفلسطيني وكان له دور قيادي في اللجنة العربية العليا.
- بعد الحرب العالمية الثانية، ساهم في تأسيس جامعة الدول العربية ودافع عن القدس خلال النكبة، وتم تعيينه رئيسًا لـ"حكومة عموم فلسطين" في 1948، محاولًا كسب الاعتراف الدولي بالقضية الفلسطينية.
- توفي في بيروت ودُفن في القدس بناءً على وصيته، تاركًا إرثًا من النضال من أجل فلسطين، ممثلًا فلسطين في الجامعة العربية وملتزمًا بالقضية الفلسطينية حتى وفاته في 1963.

تمرّ، اليوم السبت، الذكرى الحادية والستّون لرحيل الشاعر والاقتصادي ورجُل الدولة أحمد حلمي عبد الباقي (1882 - 1963)، الذي ارتبط اسمه بـ القدس وبقي المرابط الوحيد فيها من أعضاء الهيئة العربية العليا التي عيّنتها "الجامعة العربية" عام 1945، قبل أن يُصدر الملك عبد الله إرادة ملكية بتعيينه حاكماً عليها في حزيران/ يونيو 1948، ولكنه آثر عرض الجامعة العربية بأن يرأس "حكومة عموم فلسطين"، التي أُعلن عن تشكيلها في الثاني والعشرين من أيلول/ سبتمبر 1948، واشتهرت لاحقاً باسم "حكومة غزّة"، ليُصبح لاحقاً ممثّل فلسطين في "الجامعة العربية" حتى وفاته في التاسع والعشرين من حزيران/ يونيو 1963 بسوق الغرب في بيروت.

وُلد أحمد حلمي عبد الباقي في صيدا عام 1882 لضابط ألباني من تيرانا (تيرانلي عبد الرزاق) كان يَخدم في قضاء جنين، وتنقّل معه بين لبنان وفلسطين، فأكمل المدرسة الابتدائية في جنين وتابع دراسته في المدرسة الإعدادية. ونظراً إلى مكانة أبيه، عهد بتعليمه اللغة والأدب إلى الأديب المعروف سعيد الكرمي، وهو ما جعله يتميّز لاحقاً في مجال الشعر، كما يشهد على ذلك ديوان رباعياته الذي نُشر في عمّان سنة 2002 تحت عنوان "ديواني"، بإعداد وتقديم إبراهيم نصر الله.

بدأ عمله الوظيفي في "صندوق البنك الزراعي" في جنين، وتنقّل بعدها في الوظائف ما بين السلط والنبك والبقاع ونابلس. ومع إعلان الحرب العالمية الأُولى عام 1914، جُنّد في الجيش العثماني وشارك في العمليات العسكرية ضدّ الجيش الإنكليزي في العراق حتى 1917، ثمّ انضمّ إلى الثورة العربية.


الحكومة العربية في دمشق وشرق الأردن

بعد إعلان "الحكومة العربية" في دمشق عام 1918، انضمّ إلى "حزب الاستقلال" الذي كان الواجهة السياسية لـ"جمعية العربية الفتاة" في دمشق. ونظراً إلى خبرته الماليةـ عُيّن معاوناً لوزير المالية في الحكومة العربية سعيد شقير، وبقي هناك حتى معركة ميسلون ودخول القوّات الفرنسية إلى دمشق في 24 تمّوز/ يوليو 1920، فانتقل مع أركان "حزب الاستقلال" إلى عمّان، حيث أسهم عبد الباقي مع غيره من اللاجئين السياسيّين في حكومة الإمارة الجديدة التي نشأت في شرق الأردن بحُكم خبرته المالية، وشارك وزيراً للمالية في ثلاث حكومات متعاقبة (حكومة مظهر رسلان، وحكومة علي رضا الركابي، وحسن خالد أبو الهدى) بين سنتَي 1921 و1924.

بقي مرابطاً في القدس ومدافعاً عنها حتى 15 أيار/ مايو 1948

وبعد ذلك، ذهب إلى القاهرة حيث استدعاه من هناك في عام 1926 الحاج أمين الحسيني رئيس "المجلس الإسلامي الأعلى" في القدس، ليكون مراقباً عامّاً للأوقاف، مستفيداً من خبرته المالية والإدارية. فاستقرّ في فلسطين وأصبح من الشخصيات العامّة فيها، بعد انخراطه في العمل الاقتصادي والسياسي.


الحركة الوطنية الفلسطينية

وفي عام 1930، اشترك مع عبد الحميد شومان في تأسيس "البنك العربي" الذي ارتبط صعودُه به، لأنّه كان يديره في غياب الشريك في الولايات المتّحدة حتى عودة شومان واستقراره في القدس عام 1933. وفي تلك الأثناء أسّس أوّلاً "البنك الزراعي" ثمّ "بنك الأمّة العربية" في عام 1942، وكان همّه الأساسي دعم الفلّاحين الفلسطينيّين لعدم بيع أراضيهم لليهود.

أحمد حلمي بين أحمد مريود وعادل العظمة في عمّان بعد سقوط الحكومة العربية في دمشق
أحمد حلمي بين أحمد مريود وعادل العظمة (الصفّ الأوّل) في عمّان بعد سقوط الحكومة العربية في دمشق (العربي الجديد)

أمّا في الجانب السياسي، فقد تمثّل دوره في قيادة الحركة الوطنية الفلسطينية (اللجنة العربية العليا)؛ حيث كُتب المنشور التاريخي والدعوة إلى الإضراب العامّ في عام 1936 في مكتبه بالقدس. وبرزت مكانته لاحقاً؛ إذ كان من بين الزعماء الذين نفتهم بريطانيا إلى جزيرة سيشل عام 1937 ولم تطلق سراحهم إلّا عام 1938 لإحداث انفراج مع القيادة الفلسطينية عشية مؤتمر لندن عام 1938.

وبعد تصريح وزير الخارجية البريطاني في مجلس العموم في شباط/ فبراير 1943 عن تأييده لأيّ اتحاد عربي "إذا رغب العرب في ذلك"، ردّاً على اقتراح لرئيس الوزراء العراقي نوري السعيد، بادر عبد الباقي ونسيبه رشيد الحاج إبراهيم (حمو ابنه محمد) وعوني عبد الهادي إلى الكتابة لنوري السعيد للدعوة إلى "مؤتمر عربي حكومي أو شعبي يُقرّر فيه قيام اتحاد عربي على وجه يضمن رفع مكانة العرب"، وهو ما تلقّفه نوري السعيد وخاطب به رؤساء الحكومات، ثم التقى هؤلاء في القدس خلال تشرين الأوّل/ أكتوبر 1943 ضمن التحضيرات لمؤتمر الإسكندرية عام 1944، والذي تمخّض عن تأسيس "جامعة الدول العربية".

ومع تفاقُم الأوضاع في فلسطين، بقي أحمد حلمي عبد الباقي مرابطاً في القدس ومدافعاً عنها حتى 15 أيار/ مايو 1948؛ حين أعلن الملك عبد الله عن توجُّه الجيش العربي إلى فلسطين، وعُيّن عبد الباقي حاكماً عسكرياً على القدس في 12 حزيران/ يونيو 1948، تقديراً لدوره في الدفاع عن القدس الشرقية في أصعب الفترات خلال صيف 1948.


حكومة عموم فلسطين

في غضون ذلك، كانت جامعة الدول العربية قد قرّرت في تمّوز/ يوليو 1948 تشكيل "إدارة مدنية مؤقّتة لفلسطين"، ثمّ قرّرت اللجنة السياسية لجامعة الدول العربية في أيلول/ سبتمبر 1948 تشكيل "حكومة فلسطينية" برئاسة عبد الباقي، وتلقّى دعوة من رئيس الوزراء المصري محمود فهمي النقراشي لتمثيل فلسطين في الجامعة العربية باعتباره "رئيس حكومة عموم فلسطين"، التي تقرّر أن تعلَن في غزّة يوم الجمعة 25 أيلول/ سبتمبر 1948.

ولكن هذا القرار أدّى إلى انقسام فلسطيني داخلي، إذ برز فجأةً الحاج أمين الحسيني في المسرح لعقد مجلس وطني برئاسته ليكون مرجعاً للحكومة الجديدة ومدخلاً لرئاسة الدولة الجديدة، وهو ما اعترض عليه عبد الباقي. وقد أثّر هذا في مساعي "حكومة عموم فلسطين" لكسب الاعتراف الدولي في الأمم المتّحدة خلال دورة الجمعية العامة عام 1948 والجامعة العربية لاحقاً.

أحمد حلمي عبد الباثي يمين الصورة (العربي الجديد)
أحمد حلمي عبد الباقي يمين الصورة (العربي الجديد)

وقرّرت الجامعة العربية، بعد اعترافها الواقعي بانضمام الضفّة الغربية إلى الأردن عام 1950، أن تخفض تمثيل "حكومة عموم فلسطين" إلى شخص رئيسها فقط، كما خفضت المساعدة السنوية التي استمرّت حتى نهاية عام 1962، أي إلى أن مرض رئيسها وانتقل إلى بيروت حيث توفي في 29 حزيران/ يونيو 1963، ونعاه أمين عام الجامعة العربية عبد الخالق حسونة في افتتاح الدورة الأربعين لمجلس الجامعة في التاسع من أيلول/ سبتمبر 1963 بلقبه الذي أصبح يمثّل الماضي: "رئيس حكومة عموم فلسطين".

ومع أنّ الأردن لم يعترف بـ"حكومة عموم فلسطين" ولا برئيسها، رغم العلاقة الطيّبة التي كانت تربط بين الملك عبد الله وأحمد حلمي باشا حتى أيلول/ سبتمبر 1948، إلّا أنّ الملك الحسين سمح بنقل جثمان عبد الباقي إلى الأردن ودفنه بتشييع رسمي وشعبي في القدس بناء على وصيته.

ترأّس "حكومة عموم فلسطين" التي اشتهرت باسم "حكومة غزّة"

وعلى الرغم من الأوضاع الصعبة التي وُجدت فيها "حكومة عموم فلسطين"، إذ جوبهت بانقسام فلسطيني - فلسطيني بسبب الظهور المفاجئ للحسيني في غزّة، وبتنافس عربي - عربي لاستقطاب عرب فلسطين، إلّا أن عبد الباقي بقي يمثّل الكيانية الفلسطينية في أصعب الظروف، ونجح في إصدار "جواز سفر حكومة عموم فلسطين" لعشرات الآلاف من الفلسطينيّين العالقين في قطاع غزّة وغيره، إلى أن توقّف إصداره مع وفاته وأخذت الدول العربية المضيفة للاجئين الفلسطينيّين تصدر لهم وثائق سفر باسمه.

كانت غزة في نهاية أيلول/ سبتمبر 1948 مقرّاً لإعلان "حكومة عموم فلسطين" بطموحات عالية ومناكفات كثيرة أدّت إلى ترحيل الحاج الحسيني بسيارة عسكرية إلى القاهرة، ثم بانتقال ما بقي من "حكومة غزّة" إلى القاهرة لاحقاً، بينما وُضع "قطاع غزّة" لاحقاً تحت الحكم العسكري المصري حتى 1967، عوضاً عن أن يكون نواة لكيان فلسطيني ترعاه مصر. وبدلاً من ذلك تمّت التغطية على الحُكم العسكري الصارم في غزّة بشعارات كبيرة تعد الفلسطينيّين بكلّ فلسطين إلى أن جاءت حرب 1967، وأصبح كلّ الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزّة تحت الاحتلال الإسرائيلي.

المساهمون