أندرو فينبيرغ: عودة إلى مفهوم البراكسيس

21 يناير 2023
غرافيتي لكارل ماركس في برلين، 2018 (Getty)
+ الخط -

يُعَدّ البراكسيس من أبرز المفاهيم التي لقيت اهتماماً لدى المفكّرين والنشطاء الذين تلقّفوا الفكر الماركسي، حيث بدت هذه الكلمة، والواقع الذي تصفه، أشبه بنافذةٍ على عالَم ممكن: فهي تُحيل، في المتن الماركسي، إلى إمكانية التغيير الاجتماعي وحتى السياسي.

غير أن المفهوم سابقٌ بقرون على كتابات ماركس، حيث تعود جذورُه إلى الفلسفات الإغريقية القديمة، ولا سيّما لدى أرسطو، الذي عرّف البراكسيس (ومعناه، لغوياً في اليونانية القديمة، "الفعل")، بأنه ممارسةٌ يكمن هدفُها فيها، بعكس الإنتاج أو الخلق، الذي يسعى نحو هدف (مثل العمل الفني، على سبيل المثال)، يبقى خارجياً بالنسبة إليه.

عن "المركز القومي للترجمة" في القاهرة، تصدر هذه الأيام النسخة العربية من كتاب "فلسفة العمل: ماركس ولوكاتش ومدرسة فرانكفورت"، للمفكّر الأميركي أندرو فينبيرغ، بترجمة كرم أبو سحلي. وعبارة العمل، في عنوان الترجمة، تعريبٌ لكلمة براكسيس، الواردة في الأصل الإنكليزي.

يُقدّم فينبيرغ قراءة تاريخية في مفهوم البراكسيس كما عرّفته الماركسية بمختلف مراحلها ورؤاها، أي كما ظهرت أوّلاً لدى ماركس، وكما عرّفها لاحقاً أبرز مَن تبنّوا فكر الفيلسوف الألماني، ولا سيّما المفكّر المجري جورج لوكاتش وجماعة المدرسة الألمانية النقدية، ممثّلةً في هذا الكتاب بثيودور أدورنو وهربرت ماركوزه على وجه الخصوص.

فلسفة العمل

وتتمحور قراءة المؤلّف، بشكل أساسي، حول التفسيرات التي وضعها الماركسيون اللاحقون لفهم دعوة ماركس الشهيرة إلى "تحقيق الفلسفة" من خلال الثورة. وكما يُشير فينبيرغ، فإن الفلسفة، لدى هؤلاء المفكّرين الذين علّقوا على المتن الماركسي، ليست إلّا إعادة صياغة للأزمات والمشاكل الاجتماعية الملموسة ضمن لغةٍ ومفاهيم مجرّدة، وهو ما يُبقيهم جميعاً قريبين، بشكل أو بآخر، من دعوة ماركس ومعناها الأصلي: أي قدرة الفكر على التغيير في الواقع من خلال البراكسيس.

يقع الكتاب، الذي صدر بالإنكليزية للمرّة الأولى عام 1981 (حمل في طبعته الأولى تلك عنوان "لوكاش وماركس وجذور النظرية النقدية"، قبل أن يتحوّل، في طبعة 2014، إلى عنوانه الحالي)، في تسعة فصول يتناول فيها المؤلّف تاريخ فلسفة البراكسيس، ونقد الفكر الماركسي لمفهوم الطبيعة، وفهمه أيضاً للعلاقة بين الذات والموضوع، إضافة إلى مسائل أُخرى، مثل معنى فلسفة العمل اليوم وتمظهراتها المُعاصرة. 

أمّا أندرو فينبيرغ، فهو يُعَدّ من أبرز المنظّرين في الولايات المتّحدة حول العمل والتقنية، حيث يشكّل واحدةً من حلقات الوصل بين الفكر ببلده والفكر القارّي الأوروبي، وهو الذي أعدّ أطروحته لنيل درجة الدكتوراه، مطلع السبعينيات، تحت إشراف المفكّر النقدي الألماني هربرت ماركوزه.

المساهمون