المشي عبر شوارع برشلونة، مُتعة، سواء أكنتَ تسكن الجبل، أم وسطَ المدينة السهلي. برشلونة مدينة مشّائين، من الطراز الرفيع. ويُساعدها طقسها المتوسطي، وجمالُ الطبيعة من حولها، كما جمال العمار، وطيبة الناس، على ذلك. الإيبيريون، بهم ألفة، وأهل عشرة، قياساً ببقية سكّان أوروبا. هذه العشرة، التي تقلّ حتى تتلاشى، ما إن تُشمِّل، أعلى فأعلى.
فالناس هنالك محكومون بالبرد والصقيع، والأخيران يُجبرانهم على التقوقع والانكماش. ومع الوقت، تنعدم العلاقات الاجتماعية بين الجيران، وما إلى ذلك. حين عرف صديقي الأصيل، أليش، ابن مؤرّخ برشلونة الراحل، بِنيّتنا التوجُّه نحو بلجيكا، قال كلمة، لم أفهمها تماماً، والآن، بعد أربع سنوات في البلد الجديد، فهمتها: قال إنني سأعرف هناك، ويقصد بلجيكا، معنى أن أعيش في أوروبا، وسوف أظلّ أشتاق لما يشبهني في إسبانيا.
قال ما معناه إنّ شبه الجزيرة الإيبيرية، فيها من العرب وأفريقيا، أضعاف ما فيها من أوروبا. ولقد صدق الرجل ذو المعرفة والخبرات! إسبانيا والبرتغال، بلادٌ أقرب إلينا، ونحن أقرب إليها، في معظم الطبائع التي فُطرنا عليها على ضفّتي المتوسط، والشمال الأفريقي.
وبالعودة إلى حكاية المشي والمشائين، فثمة ألف سبب كي لا تكون فلاندرز (وأنتويرب التي أسكنها الآن، جزءا منها، وعاصمتها)، إقليماً لا تروج فيه رياضة المشّائين. السبب هو طقسها الماطر، غالب أيام السنة، ونكوص ناسها على أنفسهم، كما جنونها الرأسمالي الذي يدفعها لتكديس الرِّبح، فهذا كان شأنها منذ خمسمائة عام مضت، ولمّا يزل يتفاقم باطّراد. أحنّ إلى برشلونة، ماشياً في المقام الأول، وغير ماش، في مقامات أُخرى!
* شاعر فلسطيني مقيم في بلجيكا