أيها البروليتاريون الجدد في عصر الذكاء الاصطناعي، يا أولئك الذين لم يعودوا يعملون فيستهلكون.
اليوم مررت عن أحدكم وهو يلقط أعقاب السجائر من منافض البارات في شارع الرمبلا.
إحداكن وهي تتسول ماسكة بالكوب على مدخل المترو في بروكسل.
أحدكم وهو ينقّب في الحاوية بحثاً عن بقايا طعام في بلاسا دي بوليفار في بوغوتا.
إحداكن وهي تبيع ورق كلينكس على الإشارات الضوئية في شارع لا أعرف اسمه بالقاهرة.
أحدكم وهو مصلوب على غيتارته من أجل سنتات، في زاوية مهجورة من سان باولو.
أيها البروليتاريون الذين يشرب بعضهم ويتعاطى بعضهم ويحلم بعضهم، ولا يتكلم بعضهم بكلام موزون إلا مع بلاط الرصيف.
أهذا ما وصلنا ووصلتم إليه في عام 2020؟ أهذا هو؟ نصف مليار من الجائعين، وأضعاف أضعافهم من الفقراء والمهددين بتجاوز خط الفقر، على سطح الكوكب الأزرق؟
أيها البروليتاريون الجدد، يا من بالكاد تسترون أيامكم: أما آن لكم، وأنتم أكبر الجيوش، أن تقلبوا الطاولة على رؤوس مالكي الكوكب الحصريين؟
أولئك الذين لا يزيد تعدادهم عن مئات؟
أصعب أن تفعلوا ذلك؟ أتخافون على خسارة ما ليس في البطن ولا في اليد ولا في المخيلة؟
أما آن لماركس القرن التاسع عشر، ذلك اللندني المهجور، أن يرجع؟
ليسوع الفقير، الألفيّ، قالب الطاولات على رؤوس لصوص المعبد، أن يعود؟
أيها البروليتاريون الجدد، يا أبناء البروليتاريين القدامى:
ثوروا فلن تخسروا شيئاً
إلا قيودكم، كما كانت تقول الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في السبعينيات.
إلا أعقاب سجائركم تستلّونها من منافض البارات أو تلقطونها من بين أحذية السياح.
إلا انكساركم والبنت الجميلة تتسول جالسة على مدخل المترو.
إلا آلامكم والرجل ينقب في الحاوية بحثاً عن بقايا طعام، في مشهد معولم.
إلا ورق الكلينكس الذي تبيعه الشابة على الإشارات الضوئية.
إلا انتظاركم والرجل مصلوب في الصقيع، على غيتارته من أجل سنتات، كما بأم عيني رأيت وسمعت.
لقد آن لكم أن تقلبوا الطاولة على رؤوس ناهبيكم
أيها البروليتاريّون! أنتم شهود هذه اللحظات الأكثر مأساوية في التاريخ: لحظات فرار اللاجئين بمئات الملايين من أوطانهم، لحظات حرس الحدود الغلاظ ومافيات تهريب البشر.
لحظات العمل، لمن يظفر بعمل، فترتين في اليوم كي يحظى بالضروريات.
لحظات عدم الأمان الوظيفي، عدم القدرة على الاستقلال في غرفة خاصة.
لحظات يُستخدم فيها الله كحليف للدكتاتوريين. لحظات ذهاب الولد للمدرسة بدون وجبة فطور، وعدم ذهاب أترابه، لأنهم لا يملكون إلا الجلْد والعظْم.
لحظاتكم التي بلا كرامة. لحظاتكم التي بلا راتب تقاعدي يضمن نهايات مقبولة.
أيها البروليتاريون المصلوبون على صلبان جديدة، لا مرئية، لا يحصيها عددٌ: لقد آن لكم أن تقلبوا الطاولة على رؤوس ناهبيكم. أن تعضّوا لحم من يحتقرونكم بغضب وقوة. أن تكونوا مسعورين على كل من تنبح كلابُه عليكم.
آن لقلمي أن يتخلى عن رصانته، للشباب أن يحطموا واجهات الشركات الكبرى.
آن لنا جميعاً أن نثور، أن نطلق العنان لزلزال أو غضب بركاني كيلا تتأبّد هذه الوصمة.
فأبداً، ما تغير شيء منذ قرن إلا للأسوأ.
وأبداً، ما بارحنا زمن الأسود والأبيض، حتى لو ادّعوا أننا نحيا زمن "ما بعد الحقيقة".
إنها فحسب ترّهات يبيعونها لنا كأفيون محسّن.
أيها البروليتاريون وفيكم أمهات عزباوات وشباب منتحرون وحارسو ليل مبكرون ومحاورو بطالة أبدية وشعراء مفلسون وعازفو موسيقى.
أيها البروليتاريون، يا كُلّنا، فلننطلق!
إن لم نفعل الآن، سيأتي وقت، وليس هو بالبعيد، ويملك الأرض عشرة أشخاص، فحسب.
سيجوع العصفور، ولن تتمتع شجرة بظلها، لأنها لن تصل إلى مرحلة الظل.
أيها البروليتاريون الجدد: ليكن بمعلومكم أنني بروليتاري مثلكم، ولم أكن، مرةً، شخصًا لديه حوافز مفرطة للنجاح في الحياة.
على العكس، كنت كثيراً ما أخاطبها: وفّري لي ولجيراني السقفَ واللقمة، وخذي كل زخارفك وابتعدي.
أيها البروليتاريون هنا وهناك وهنالك، إني لأراكم من مكمني هذا، في ريف منطقة رانتس ببلجيكا، وأنتم تكابدون في خيال مظلمٍ من إذلال الذات. هذه اللفتة، ذلك الاحتضان العكسي للذكرى والنسيان.
بعض الناس الذين أقابلهم منكم يذكرونني بأشخاص قابلتهم، زمان، في الأحلام.
صوركم ما تزال موجودة على شبكية العين.
روحكم ما تزال ترفرف عليّ في ليل بلجيكا الجهم، بكل ما تحمله ملامحكم من طيبة وانكسار وإرهاق.
أيها البروليتاريون:
واحد منكم أنا، أنتمي لكم بالوراثة، من أول ووسط وآخر هذا العمر.
أنتمي لكم تُصلبون بالساعات تحت الشمس، كي تبيعوا رطلين من بندورة وثلاث حزمات من البقدونس.
لكم أكتب، حتى لو لم أكتب عنكم. فـ..
كل فقير: يسوع
وكل مال زائدٍ، لا بد خلفه
نبعٌ من الدموع.
أتخافون على خسارة ما ليس في اليد ولا في المخيلة؟
أيها البروليتاريون!
يجب أن تسمعوا لي: إني لا أكذب مستيقظًا، أبداً. أفعلها فقط في أحلامي.
أيها البروليتاريون، وفيكم شفافو روح يفهمونني:
مرةً، كنا نمشي في شوارع آخر الليل، حول قوس النصر بباريس، وتزفر صديقة بعد حديث طويل: "هذه هي الحقيقة المخفية وراء هشاشة سوق العمل: يمكن لأي شخص أن يعيش في الشارع".
أي والله، ولم يطل الزمن، حتى هربت هي إلى بيت أمها، ووليت أنا الأدبار إلى بلد ثان.
هل ترون؟
أيها البروليتاريون!
والله، لو ناديت بأسمائكم (وبعضها مستحيل النطق)، في هذه البريّة من شجر الخريف، فإن أشباحكم، وحتى أحصنتكم الخيالية ستلتفت إلى الوراء.
أيها البروليتاريون!
قد يحدث أن جورباً على حبل الغسيل، يتأمله اللاجئ وهو يتموج من هواء خفيف، ثم يهمس: لماذا وصلنا إلى هنا؟
إنه سؤال متكرر ولكنه ضروري: ما الذي جاء بنا إلى هنا؟
يهمس ثالثةً ويعرف: ما من جواب. ثم يقوم عن كرسيه ويصرخ: لمَ جئنا هنا؟
يعود من الشرفة للغرفة، لأنه لم يسمع إلا صدى كلماته التي ارتدّت على حائط الممر.
وينام على السرير، والوقت ظهيرة، ويهمس رابعةً: يجب أن أدرك أنه، بغض النظر عن مقدار ما أقوله في الهمس، فإن فمي بالكاد يكون مفتوحًا.
يدخل البرزخ قليلاً ثم يغفو. بينما هناك على الشرفة يسقط الجورب عن حبل الغسيل في سماء مفتوحة.
أيها البروليتاريون!
* شاعر فلسطيني مقيم في بلجيكا