"ألفاظ الألوان ودلالاتها عند العرب - دراسة معجمية دلالية" عنوان الكتاب الذي صدر حديثاً للناقد والأكاديمي إبراهيم خليل عن "دار أمواج للنشر والتوزيع" في عمّان، وينقسم إلى جزأين؛ الأول حول الألوان في اللغة ودلالاتها في الشعر والنثر بصفة عامة، والثاني يتضمّن معجماً لما ورد من ألفاظ لها صلة لصيقة بالألوان حقيقة ومجازاً، استخرجت مواده من الشعر العربي القديم جاهلية وإسلامية.
ويشير المؤلّف، في التقديم، إلى أن العرب عرفوا من الألوان الأساسية، التي أطلقوا عليها أسماء خاصة بها، من غير حاجة إلى الدمج والمزج والتركيب، ستة ألوان هي: الأبيض والأسود والأحمر والأزرق والأخضر والأصفر، عدا مجموعة أخرى من الأسماء، إما أن تكون صفات لهذه الألوان الأساسية، أو مرادفات لها: كالجون الذي يرادف الأسود في سياق والأبيض في آخر، والورد الذي يرادف الأحمر، أو أنها تركيب من لونين فأكثر كالأكدر الذي هو مزيج من البياض والسواد، وكذلك الأغبر، والكمَيْت الذي هو مزيج من الأحمر والأسود، والأصحم الذي هو مزيج من السواد والصفرة.
يتناول كيف تداول شعراء الجاهلية والشعراء المخضرمون الألوان
يضيف: "ومن بين الألوان الستة التي ذكرتها يظل (الأزرق) أكثرها غموضاً وسيتبين لنا في هذا البحث أن الزرقة أطلقت على أشياء متناقضة كالنصال، وأسنة الرماح التي يقال لها زرق تارة، وبيض تارة أخرى. وربما كان غموض دلالة الزرقة عندهم سبباً لإنكارها من بعض اللغويين، ومنهم النمري صاحب "الملمع" الذي استبعد اللون الأزرق واقتصر على ذكر خمسة ألوان هي الأبيض والأسود والأحمر والأصفر والأخضر".
وقد تخلّل الكتاب من الأمثلة والشواهد الشعرية التي اعتمد في تخريجها والتأكد منها ومن صحتها - رواية وشرحاً - على الدواوين المحققة، وكتب الاختيارات كالمفضليات والأصمعيات والحماسات، وديوان الهذليين، وشروح الخيارات والدواوين، ومنها شرح أشعار الشعراء الستة للأعلم الشنتمري، وشروح المعلقات لغير واحد، وشروح التبريزي وابن الأنباري وابن السكيت وغيرهم للدواوين.
ويوضحّ المؤلّف أن العرب لم يعرفوا البني، وهو أحد الألوان الأساسية في اللغة الإنكليزية، ولكنهم عرفوا أسماء أخرى منها: الأسمر والأدكن. وكلمة (بنّي) المولدة هي نسبة إلى (البُنّ)، ولم تعرف العربية أسماء أخرى للألوان مثل: البرتقالي، حيث أن القاعدة التي عرفوها في اشتقاق الألوان هي إضافة همزة في أول الصفة للدلالة على اللون، فإذا أرادوا المقاربة بين لون الشيء ولون الملح قالوا أمْلَح وليس "ملحي" خلافاً للقاعدة المتبعة في لغة عصرنا، وهي الاتكاء على النسبة فيقال: فيروزي، وفستقي، ومشمشي، وغيره.
كما يسعى خليل إلى الإجابة عن تساؤل أساسي هو: كيف تداول شعراء الجاهلية والشعراء المخضرمون الألوان وخرجوا بمسمياتها من الدلالة على معنى إلى الدلالة على معنى آخر؟ ليخلص إلى أن "العربية عرفت ستة من الألوان الأساسية، هي: الأبيض والأسود والأحمر والأزرق والأخضر والأصفر، إلى جانب عدد غير محدد من الأسماء التي تتعلق بهاتيك الألوان، منها ما هو وصْفٌ لها، أو لدرجة من اللون، أو لمزيج من الألوان، أو للإبانة عن شبه بين الشيء ولون شيء آخر. وإلى جانب المعاني المعجمية الأساسية التي ارتبطت بهذه الألوان، ظهرت معانٍ أخرى استعملت ألفاظ الألوان للدلالة عليها، والإشارة إليها، من باب الانزياح، أو الكناية، أو العدول عن الحقيقة للمجاز، وهو أسلوب في التعبير عرفته العربية من أقدم عصورها، وتشهد على ذلك الشواهد الكثيرة التي جمعناها من الشعر الجاهلي والإسلامي، واكتفينا بذكر أمثلة منها، كقولهم: الموت الأحمر للدلالة على الشدة، والليلة الشهباء للدلالة على البرد، والصقيع".
ويختتم المؤلف المُعجم بثبَتٍ يذكر فيه المصادر والمراجع، وبفهارس أولها لأسماء الشعراء التي وردت في مواد المعجم، وفهرس آخر لأسماء الأعلام من غير الشعراء، وثالث لعناوين الكتب التي ورد ذكرها في المعجم والمقدمة، وأخيراً فهرس بالآيات القليلة التي وردت في الكتاب بشقيه التقديم والعرض.