فكرةٌ أساسية طرحتها أستاذة الفلسفة والباحثة إليزابيث سوزان كسّاب في لقاء نظّمه الأربعاء الماضي "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، تتمثّل بأن دراسات الفكر العربي المعاصر مجرّد نصوص تحلّل وتقرأ نصوصاً أخرى وتقارنها بعضها ببعض، وكأن هذا الفكر معزولٌ عن حقول أخرى مثل الفنون التشكيلية والثقافة الشعبية، حيث يأخذ فيها شكل الصّوَر بدلاً من الكلام المدوَّن.
وأشارت في السيمينار الذي حمل عنوان "الفكر العربي المعاصر: حقل في عزلة؛ كتابة تاريخ الفكر العربي المعاصر بين الفلسفة والفن التشكيلي والثقافة"، إلى غياب التأريخ الاجتماعي وشُحّ الدراسات المعرفية حول المراكز البحثية ودور النشر والمجلّات التي اشتغلت في الفكر، وكذلك غياب قاعدة بيانات ممنهجة للمشتغلين، تضمّ سيَرهم الذاتية ومؤلّفاتهم وطبعاتها وغيرها من المعلومات المهمّة.
هناك انتباه من قبل العديد من الباحثين والباحثات الشباب مؤخراً في الفنون البصرية، بحسب الباحثة، التي أشارت إلى دراسات حديثة حول تاريخ هذا المجال في العالم العربي، الذي يهمّ بالضرورة الباحثين في الفكر من أجل فهم الحداثة التي تكرّست في الجانب البصري. وتستشهد بكتابٍ صدر لندى شبوط باللغة الإنكليزية تحت عنوان "الفنّ العربي الحديث"، يُضاف إلى جهود سابقة قدّمتها باحثاتٌ مثل سلوى مقدادي ووجدان علي وغيرهما ممّن بدأنَ تجميع حصيلة النتاج الفني التشكيلي في العالم العربي.
استحضرت تجارب تشكيلية عراقية قاربت بين الحداثة والتراث
ورأت كسّاب أنه خلال العشرية الأولى من الألفية الثالثة صدر العديد من الدراسات التي أسّست للفكر والفنّ العربيَّين المعاصرين، والثقافة الشعبية، وعلى هذه الحقول أن تتبادل المعارف والمقاربات والأفكار، لافتةً إلى أنّ هناك فكرة بحثية تُراودها، وتتمحور حول مسألة الإبداع الذاتي أو الإبداع الأصيل بين الحداثة والتراث، والتساؤل عن كيفية استلهام التراث في الفن التشكيلي العربي المعاصر.
واستحضرت الفنان التشكيلي العراقي جواد سليم (1919 - 1961) كنموذج، لدراسته الفنّ في الأكاديميات الغربية خلال ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي، بموازاة دراسته منتوج الأدب والفكر في بلاده، وكيف التفت مبكراً إلى حضارات العراق، من السومرية والبابلية والآشورية حتى العربية الإسلامية، وهو ما انعكس في لوحاته وفي أعمال بعض مجايليه وممَّن أتوا بعدهم، مثل شاكر حسن آل سعيد وضياء العزاوي وكاظم حيدر وسعاد العطار وحافظ الدروبي وآخرين.
وخروجاً من المدوّنة الفكرية المعاصرة، تسعى كسّاب إلى دراسة الكيفية التي فكّر بها هؤلاء الفنّانون بقضية الحداثة والتراث والأصالة، متساءلةً إن كانت هناك خلاصات ذات أهمّيّة في الفنون التشكيلية لم يبحث الفكر العربي فيها، ومتطرّقةً إلى تجربة الفنّان التشكيلي اللبناني سمير الصايغ (1945) التي قامت على تحرير الحرف العربي من حمولة المعنى والتعامل معه كمفردة تشكيلية مستقلّة داخل اللوحة، عبر عرض مجموعة من أعماله الفنية.
من جهته، أشار الباحث السوري محمّد جمال باروت، في مداخلته، إلى أنّ الإشكاليات التي طرحتها المحاضرة تمّ تداولها عربياً خلال الخمسينيات والستينيات والسبعينيات على صفحات الجرائد من قبل المثقّفين والحزبيّين والمؤدلجين المهتمّين بالثقافة، منوّهاً بأنّ نتاجات الفكر العربي المعاصرة أثّرت على جميع حقول الإبداع بمعناه الواسع، حيث كانت له تفاعلاته في التشكيل والشعر والرواية.
وأوضح الباحث المصري عاطف بطرس العطّار، بدوره، أن هناك انشغالاً معرفياً بالواقع المباشر ومسائل أيديولوجية تمتّد إلى مواضيع الدين وصراع الشرق والغرب، في حين أشار الباحث العراقي حيدر سعيد إلى أنّ كسّاب لا تأخذ بعين الاعتبار مراجع عربية موجودة، ومتعدّدة، تناولت موضوع محاضرتها في الثقافة العربية، مشيراً إلى أنها تستحقّ العودة إليها من أجل تطويرها.