سيتوجّه نحوك عند وصولك إلى الساحة العامّة لمدينة غرناطة التاريخية في نيكاراغوا، حاملاً بيده ملصَقاً تعريفياً للقيام بجولة في المدينة بإحدى عربات الحصان التقليدية المنتشرة فيها. ولهذه العربات تاريخٌ طويل؛ فقد شكّلَت، حتى تسعينيات القرن الماضي، أهمّ وسيلة مواصلات في المدينة العريقة، وكانت بديلاً عن سيّارات الأُجرة.
أمّا خارج المدينة، فقد كان الناس يستخدمون القطار البخاري للتنقّل بين مدن نيكاراغوا، قبل أن تتولّى الرئيسة السابقة، فيوليتا تشامور، حُكم البلاد عام 1990، وتأمر بوقف العمل به. وسياقة العربات مهنة تتوارثها الأجيال في غرناطة، لكنّها باتت تُستَخدم لأغراض سياحية مؤخّراً، فيدفع السائح مقابل تجوُّله في تلك العربة لمُشاهدة المدينة.
لم يتلقّ أيّ مقابل لظهوره على الورقة النقدية، ولا حتى مئة قرطبة
وبالعودة إلى صاحبنا، الذي ما إن ينجح في إقناعك بالصعود إلى عربته، حتى يبدأ الشرح عن تاريخ المدينة، خلال جولة مدّتها نحو نصف ساعة. ستكون قد فاوضته على السعر قبل صعودك العربة. عادةً ما يطلب خمسمئة قرطبة، يمكن تخفيضها إلى ثلاثمئة. فإذا انتهت الجولة ولم تُوجِّه له أيّ سؤال عن شخصه، فعلى الأرجح سيستغلّ فترة دفع النقود ليُعرّف بنفسه من خلالها، وتحديداً من خلال فئة المئة قرطبة. سيفردها أمامك قائلاً: "أنا الرجل الظاهر في الصورة، أنا الرجُل ذو الورقة النقدية من فئة المئة".
وقد أخذ هذه الصفة عام 2015 تحديداً، حين سُكّت أوراقٌ جديدة في "بنك نيكاراغوا المركزي"، وأصبح سائق العربة ماوريسيو سانشيس شخصاً شهيراً في تلك المدينة، بل وعموم نيكاراغوا، حين توافد إليه أهله ومعارفه يخبرونه أنّ صورته موجودةٌ في الورقة من فئة مئة قرطبة.
وحسب تقرير أعدّته صحيفة "لا برنسا" النيكاراغوية، فإنّ مُصوّراً من غرناطة كان قد التقط مجموعة من الصور السياحية للمدينة، ومنها صورة سانشيس، وعرضها على البنك المركزي الذي اختار صورة سانشيس وهو يقود العربة التاريخية. وبحسب التقرير نفسه، فإنّ المُصوّر فقط من حصل على الأجر، أمّا سانشيس، فلم يحصل على أيّ مقابل مالي لظهوره على الورقة النقدية... ولا حتى مئة قرطبة (نحو دولارين ونصف).
بيد أن ما يعوّض ماوريسيو سانشيس عن أجره، ربمّا، هو دخوله "عالَم الشهرة"، وتحوُّله إلى رمز سياحي في المدينة؛ فكثيرٌ من الزائرين يبحثون عنه لالتقاط صورة له مع الورقة النقدية من فئة المئة قرطبة لنشرها على مواقع التواصل الاجتماعي، أو تسجيل مقابَلة قصيرة معه على تطبيق "تيك توك"، حيث يظهر وهو يقول جملته الشهيرة: "أنا ماوريسيو سانشيس، الرجل ذو الورقة النقدية فئة المئة"... يقولها بانتشاء، غير آبهٍ بحقيقة أنّ وجهه أصبح مرتبطاً بملايين الأوراق النقدية التي بالكاد يحمل منها شيئاً.
* صحافية ومترجمة أردنية فلسطينية مُقيمة في نيكاراغوا