في الثقافة الشعبية، يحملُ الصمت إشاراتٍ كثيرة، ربّما أكثر من الكلام. بل نُظر إليه على أنّه رمزٌ للبلاغة، وأحياناً الحكمة؛ فهو وسيلة يُلجأ إليها للتلميح الموجز، كما أنه صنوٌ للرضا والقبول، حسب بعض التأويلات؛ دون أن ننسى ما فيه من تستّر على حدث أو تواطُؤ معه.
أمّا في حقل الفنون، فقد اختلفت ترجمةُ ما سبق حسب المدارس والتيارات، لكنْ بقيت الطبيعة الصامتة هي الموضوع الأكثر اشتغالاً عليه، واستحواذاً على هذا المفهوم.
"الصمت" عنوانُ المعرض الذي يوقّع لوحاته التشكيلي المصري كريم حلمي (1984)، وقد افتُتح مساء أمس في "غاليري مصر" بالقاهرة، ويتواصل حتى الثاني والعشرين من هذا الشهر.
ينطلق الفنّان المصري من موقف حدسي جَليّ يتّخذ من الحواس بُنية له، فالعنونة بالتالي ليست تجريدية تماماً بقدر ما تثبّت الشخصيات المرسومة وفق نظيمة التراسُل بين الحواس؛ قد يرتبط الصمتُ بداية الأمر بالسمع والتحدّث، إلّا أنه سرعان ما ينتقل بالمتلقّي إلى عتبةٍ أعلى، لا انفصال فيها عن باقي الحواس.
وكما جاء في التقديم للمعرض، فإنّ "المرأة تدخل كعنصر بصريّ تشكيليّ بكلّ ما تعكسه صورتُها من تشويق وغموض وحساسية"، حيث تتصدّر الأعمالَ بورتريهاتٌ لنساء بأفواهٍ مُطبقة الشفَتَين، أو قد حُجبت عيونهنّ، في سيطرة مُطلَقة للصمت ببُعده الحزين على وجوههنّ الباردة.
لكنّ الصمت يتمدّد أكثر مع استسلام الشخصيات المرسومة لإيقاع خفيّ، واستفزاز للمتلقّي الذي لا يرى هذه البورتريهات وقد كُمّمت أفواهها وحسب، بل بُتِرت أيديها، وهُنا نعود إلى الرمزية الأولى لفهْم الصمت بمعناه السلبي، أي التواطؤ والتستّر على ما تلْقاه النساء في واقعنا الراهن من سوء مُعاملة وعنف يُبدّد أصواتهنّ وأجسادهنّ معاً.
الجدير بالذكر أن حلمي سبق أن وقّع معارض مختلفة، منها الفردي، مثل: "كائنات مؤجّلة" (2015) وفيه قاربَ موضوعة السلطوية في المجتمع. وتبدو أن إشارة الأيادي المقطوعة قد بدأت مع ذلك المعرض، قبل أن يعتمدها في "الصمت" بشكل أوسع. ومن مساهماته الجماعية: "فنانون بين فضاء الحلم والواقع" (2019)، و"مهرجان ضيّ للشباب العربي" (2018)، و"في رحاب الأخوين وانلي" (2017)، وغيرها.