خلال أيلول/ سبتمبر الجاري، انتظمت مجموعة من معارض الكتب العربية، في استكهولم ومالمو السويديتين، ولاهاي الهولندية، وكوبنهاغن الدنماركية. ويوم السبت المقبل، 26 من الشهر الجاري، يُقام "معرض الكتاب العربي" ليوم واحد في برلين التي يمكن اعتبارها مركزَ الثقل الرئيسي للقارئ العربي في الشمال الأوروبي، وقد لا تزاحمها على هذا الموقع في مجمل القارة العجوز إلّا باريس، والتي تنظّم سنوياً هي الأُخرى معرضاً للكتاب العربي، غير أنه ألغي هذا العام بسبب الجائحة التي ضربت العالم.
في الحقيقة، لا يمكن اعتبار تواتُر المعارض هذه حدثاً في حدّ ذاته؛ فقد تحوّلت منذ سنوات إلى تقليد ثقافي لطيف يجري تطويره في كل عام. بدأ ذلك مع موجة اللجوء السوري في 2015، ولكن تبلوره الأساسي ظهر في 2017، ويمكن اعتبار السنة الماضية، 2019، أكثر سنة عرف فيها الكتاب العربي حضوراً في أوروبا، إذ حضر في مختلف المدن الكبرى من جنوب القارة في إيطاليا إلى الشمال الاسكندنافي.
تجدر الإشارة إلى أن هذه المعارض هي معارض كتب بشيء من التجاوز في المعنى، فهي أقرب إلى تظاهرات ثقافية مصغّرة تنظّمها أساساً مكتبات أو دور نشر عربية يقيم أصحابها في أوروبا يقدّمون في النهاية مخزون كتبهم، ولذلك يحضر في هذه المعارض فقط طيف مصغّر من الكتب العربية، وقلّما تأتي بجديد الإصدارات، وللأسف كثيراً ما تتخلّلها نسخ غير أصلية، وتكون الأسعار فيها مبالغة بعض الشيء، على اعتبار أن البائعين يعتمدون غالباً مروحة أسعار الكتاب الأوروبي (ما فوق 20 يورو)، وليس تلك الأسعار التي يحدّدها الناشر على غلاف الكتاب.
لا يزال تنظيم معارض الكتب في العالم العربي بانتظار مراسيم رسمية
لكن مهما تكن من سلبيات، تلعب هذه المعارض دوراً أساسياً في إيصال الكتاب العربي إلى قارئه في أوروبا، وتظل همزة وصل - ولو رمزية - مع الثقافة العربية. كما أنها تعبّر عن حرص منظّميها على أن يكون للكتاب العربي في مثل هذه الأيام تظاهرات تحتفي به. هنا لا يمكن ألا نقف على مفارقة ساخرة، أنه مقابل موجة معارض الكتب العربية في الشمال الأوروبي لا توجد معارض أو تظاهرات حول الكتب في المدن العربية.
لعلّه من الجدير هنا التمعّن في المسألة بعض الشيء. فتنظيم معرض كتاب عربي في مدينة أوروبية هو نتاج اجتهاد أفراد ينجحون في توفير فضاءات وتمويلات من السلط المحلية أو الجمعيات الثقافية في بلدان المهجر. أمّا عربياً، ورغم أنّ فعل نفس الأمر متاح وبسيط، إلّا أن حالة من التواكل تجاه الدولة يجعل من تنظيم معرض كتاب في حكم غير المفكّر فيه تقريباً، ويكفي ألّا تمنح وزارات الثقافة العربية الضوء الأخضر لتنظيم معارض كتب عربية حتى يتوقّف كل شيء كما هو الحال الآن، ولن تجد من يبحث عن الحدّ الأدنى في توفير الحلول والبدائل.
للتذكير، عندما اجتاح الوباءُ العالمَ، ودخلت البلدان إجراءات الحجر، جرى إعلان "تأجيل" معارض الكتب العربية التي كان من المفترض تنظيمها في الربيع مثل بغداد وتونس. جاء الخريف، ولا تزال الكتب العربية تواصل بياتها الشتوي.