المولدي حامدي.. مسار وتوجهات القوميين التونسيين

10 ديسمبر 2024
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يتناول الكتاب صراع القوميين التونسيين مع الداعين إلى "القُطرية" والسلطة، مسلطاً الضوء على مراحل التوتر والانفراج، ويبرز أهمية القومية في تونس من خلال تقسيم التونسيين إلى اتجاهين.
- يربط المؤلف النهج القومي في تونس بالسياسات الاستعمارية الفرنسية وتأثير المد القومي المشرقي، موضحاً ذروة القومية بعد حرب 1967 وتراجعها بعد حرب 1976.
- يقدم الكتاب قراءة شاملة للتنظيمات السياسية القومية في تونس، مستعرضاً المحاكمات السياسية وتأثيرها في تشتت الحركات القومية وتأسيس شبكات دولية لإعادة تنظيمها.

صدر حديثاً عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" كتاب للباحث التونسي المولدي حامدي بعنوان "القومية العربية والقوميون في تونس (1945 - 1980)"، وهو مكوَّن من ثلاثة أقسام رئيسة في كلٍّ منها فصلان، مستهَلّة بمقدمة ومنتهية بخاتمة وملاحق، وقد خصّصه المؤلّف لعرض قراءة جديدة لواقع توجهات القوميّين التونسيّين، وصراعهم مع الداعين إلى "القُطرية"، ومع السلطة، وأسباب هذا الصراع، ومحطاته، ومراحل الانفراج والتوتر التي شابته. 

يحتوي الكتاب، الواقع في 432 صفحة، على تحليلات معمّقة تغطي موضوع ‏القومية العربية عموماً، وفي تونس خصوصاً، وقد قسّم مؤلفه التونسيّين إلى اتجاهَين: واحد يرى أن تونس ‏‎"‎وطنية‎"‎‏ ‏خالصة، وآخر يرى أن ‏القومية لم تكن يوماً بعيدة عن قضاياها المصيرية. وتنبع أهمية الكتاب وطرافته في رأي مؤلفه من ظهوره في زمان خفوت ما كان للقومية في ستينيات القرن الماضي وسبعينياته من وهج، وفي بيئة تونسية كانت تتميز أصلاً بندرة الدراسات البحثية القومية، وما تبع ذلك الخفوت من انتعاش، كما تنبعان من محاولات البحث عن إثبات ارتباط التونسيين وجدانيّاً وسياسيّاً بمسألة القومية ودحض ما أُشيع عن ضعف ارتباطهم القومي، وحشده دلائل على هذا في فصل ‏مستقلّ خصّصه للحركات التونسية القومية التوجه.

ويربط المؤلف، في منهج تحليلي – وثائقي، بدايات النهج القومي في تونس بسياسة الاستفزاز الاستعماري الفرنسي، الديني والعرقي والثقافي، الذي دفع الحركات الوطنية إلى التمسُّك بفكرة وحدة المغرب العربي والتآخي للدفاع عن الأرض والهوية، وخصوصاً مع البدايات الأولى لوصول المدّ القومي المشرقي، المتمثّل بالناصرية والثورة الفلسطينية، إلى تونس ومساندته كفاح التونسيين لتحرير بلادهم، لتصلَ العقيدةُ القومية إلى ذروتها لدى التونسيين إثر حرب حزيران/ يونيو 1967، مفجِّرةً تظاهرات عنيفة ضد المصالح الأميركية والبريطانية والصهيونية في تونس العاصمة، ومنظِّمة حملات تبرّع مالي وتطوع للقتال إلى جانب الدول العربية في المشرق.

تنبع أهميته من ندرة الدراسات البحثية القومية في تونس

يستعرض المؤلف ظروف وقف السلطة التونسية دعمها بعض الدول العربية المؤثّرة إثر حرب 1976، بسبب دعمها الحركة اليوسفية المتطرفة المعارِضة، وتخليها علناً عن قضايا الوحدة العربية وتوجّهها نحو "القُطرية" التونسية، واعترافها بجرأة "بحقّ إسرائيل في الوجود"، واستقبالها زعماء الحركة الصهيونية، وإزالة العوائق أمام هجرة اليهود التونسيين إلى فلسطين، وتحوّلها عرّاباً للصُّلح مع إسرائيل بإطلاق مبادرة الحبيب بورقيبة في عام 1965، والتي قرر فيها الرئيس التونسي كسر الجمود مع مصر لأجلها، وتوجّهه إلى عدة دول عربية وأجنبية لتسويقها، وكل ذلك مع استمرار الاقتناع الشعبي الجماهيري في تونس بقضايا القومية.

ويقرأ الكتاب بشمولية التنظيمات السياسية ذات الصبغة القومية في تونس، خلال أربعة وعشرين عاماً (1956 - 1980)، متوقّفاً عند خصائص بعض حركات المعارضة ومواقفها المتباينة من المسألة القومية، مثل أحزاب اليسار والشيوعيين والزيتونيين والحزب الحر الدستوري والاتجاه الإسلامي عموماً. ثم يعرج على المحاكمات السياسية التي تعرضت لها هذه الأحزاب والحركات، ونتائجها، والخروق القانونية التي شابتها، والأبعاد الإنسانية التي نجمت عنها، سارداً بعض وقائع المحاكمات العلنية لتلك التنظيمات، على ندرتها.

بهذا يكون الكتاب قراءة علمية أكاديمية جادة ورصينة ومكثّفة، حرص صاحبها على أمانة نقل الوقائع التاريخية، وعدم الشطط في التحليل والحكم، فاستعان بمجموعة كبيرة من مصادر البحث: وثائق المركز الوطني للتوثيق، والأرشيف الوطني التونسي، وأرشيف ‏وزارة الخارجية، وأرشيف المعهد العالي لتاريخ تونس المعاصر، وبيانات الأحزاب، وخطب ‏الزعامات الفاعلة في مرحلة البحث، والمذكرات الشخصية لبعض الفاعلين السياسيين آنذاك، ومقالات الصحف الوطنية والعربية والعالمية التي واكبت الأحداث التونسية ونقلت وقائعها، ونشرات بعض ‏الإذاعات، والشهادات الشفوية عن تلك الفترة، وعدد مهم من ‏الكتب الوطنية والعربية والأجنبية والأطروحات الجامعية غير المنشورة والمقالات العلمية‎.

وقادت هذه القراءات إلى تحليلات ‏متأنّية واستنتاج مجموعة من الأفكار المكثّفة، منها:‏ تشكُّل وعي تونسي يمزج البُعدَين القومي والعروبي والإسلامي، واعتبار تونسيين كثر القضيةَ الفلسطينية الأساسَ في النهضة العربية، وإسرائيل تهديداً للأمة العربية جمعاء، وولادة نُخب تونسية اتصفت بالارتجالية، وخلط "القومي" بـ"القطري"، واعتبار التونسيّين "أُمّة"، وعدم اكتراث السلطة التونسية بالوحدة العربية وترويجها مصطلح ‏‎"‎الأُمّة التونسية‎"‎‏ بقوّة.

بالإضافة إلى مساهمة محاكمات أنصار الحركات القومية التونسية في تشتّتهم، وتأسيس بعضهم في الخارج شبكة علاقات دولية مهمّة استطاعوا بها إعادة تنظيم صفوفهم، وولادة حركة "برسبكتيف" (عُرفت بـ "آفاق") من رحم الحزب الشيوعي التونسي إثر حلّه عام 1962، وتميزت بمواقف سلبية من المسألة القومية، بخلاف شيوعيي منظّمة العامل التونسي، واتّسام العلاقات بين السلطة التونسية والتيارات القومية بالتذبذب، فهي تارة لاهجومية ولكنْ من دون انفتاح كامل، وتارة تسمح بالعمل للبعث العراقي والإسلاميين ممثَّلين بحركة الاتجاه الإسلامي، وبخاصة بعد نكسة ‏‎1967‎‏ وهزيمة القوميين نفسيّاً، ‏للعلاقة الجيدة مع النظام العراقي ولخطب ود الدول النفطية بالتظاهر بمواجهة التيارات اليسارية التي "تنشر ‏الإلحاد".
 

المساهمون