تتّخذ "الجمعية القطرية للفنون التشكيلية" من معرضها السنوي "النخبة" مناسبةً لتقديم طيف من الأعمال الفنّية التي تتنوّع مشاربها، وتندرج ضمن اجتهادها بأن تكون أعمال النخبة لكلّ عام. وهذا ما يزيد في توضيحه، لـ"العربي الجديد"، رئيس الجمعية، الفنّان يوسف السادة، قائلاً إنّ النخبة لا تعني طبقة فنّية مفضّلة على الآخرين، "ففي كلّ عام ننتخب الفنّانين لكلّ دورة ممَّن نرى استمرارية في أعمالهم على مدار العام وملامح متطوّرة".
مساء الإثنين الماضي، كان الموعد مع افتتاح الدورة الخامسة في مقرّ الجمعية بـ "المؤسّسة العامّة للحيّ الثقافي كتارا" في الدوحة؛ حيث يُعرَض، حتى العاشر من أيار/ مايو المقبل، أكثر من أربعين عملاً فنّياً لسبعة وثلاثين فنّانةً وفنّاناً.
أُتيحَ لكلّ فنّان التقدُّم بلوحة واحدة لا يقلّ حجمها عن المتر ولا تزيد عن المتر وعشرين سنتيمتراً، ما عدا المجسّمات التي مُنحت أصحابُها إمكانية التقدّم بأكثر من عمل، خاصّة أنها بأحجام صغيرة، من بينها منحوتة "حمامة السلام" لأحمد البحراني من الستانلس ستيل (الفولاذ المقاوم للصدأ)، وتشكيل حروفي من البرونز على قاعدة حجرية لصالح العبيدلي.
السيطرة الواضحة دائماً للّوحات التشكيلية، أمام قلّة المشتغلين في النحت داخل قطر، عِلماً بأن المعرض السنوي مخصّص للفنّانين في الساحة المحلّية من القطريّين والمغتربين من الجاليات العربية والأجنبية.
يواصل الفنّان يوسف أحمد، الذي عُلّقت لوحته في أوّل المعرض، خطوطه البسيطة المقطّعة هندسياً إلى جدران وأزقّة تراثية من دون أي مفردات زخرفية، تعلوها سماء شتائية، وهي السماء التي تبدأ في الاتضاح بدءاً من تشرين الأول/ أكتوبر، حتى أيار/ مايو.
وتستلهم مريم الملّا تكعيبية بيكاسو في البورتريه المخصّص لامرأة بالزيّ القطري التقليدي، بما يُبرز "البطّولة" في مساحة الوجه وفي يدها مبْخرة وإلى جانبها مرشّة عطر.
ويحضر الكولاج في العديد من الأعمال لأحمد الحمر الذي أوجد توليفة من الحديد الصدئ والحبال على سطح لوني باهت. وفي عملها، تجمع موضي الهاجري من التصوير الفوتوغرافي تركيبات أساسية تقلّل من سطوتها بإضافة مواد رملية، في حين كانت الصور الفوتوغرافية تملأ أيضاً فتحة النافذة الخشبية في عمل عيسى الملا.
أربعون عملاً لسبعة وثلاثين فنّاناً من قطر أو المقيمين فيها
تضفي لوحة عمّار الدسوقي ملمحاً آخر مغايراً عن حضور الألوان السائلة. فعلى سطح من زجاج الأكريليك طُبعت اللوحة الرقمية على ورق مضغوط، وهي اللوحة المعنونة بـ"الحمد لله"، والتي تبدو خطّاً عربياً يُستَدلّ عليه بالروح من دون إمكانية قراءته بسهولة. فالعبارة التي اختارها الدسوقي من الخط الكوفي المربّع، وجعل يكرّرها ليبني منها فكرته البصرية المتمثّلة في أنّ العلاقة بين الخالق ومخلوقاته تقوم على تعدّد الأكوان ومركزية واحدة.
وتُضاف إلى كلٍّ من عمل الدسوقي على الخط الكوفي رقمياً وحروفية البرونز للعبيدلي، إسهامةُ حروفية من عمر السامرائي، إذ ترك الخيول ترمح محاطة باللغة العربية. أمّا لوحة محمد الجيدة، فتُمثّل طريقه الواقعية التي عبّدها بيده وصارت لوحاته علامة واضحة تدلّ عليه بخلطة ألوانه والسطوح التي يفضّلها واسعة وذات مجاميع بشرية يتقن دائماً التعبير عن حركتها.
وفي المنحى الواقعي، هذه فاطمة المناعي تواصل ما بدأته منذ 2010 في الذهاب إلى الأماكن التراثية والبيئة المحلّية لرسمها، كما يظهر في لوحتها من عمارة تقليدية في أحد الفرجان (الأحياء) القديمة، ومثلها آمال البرغوثي في لوحة "الطفل وحمام الدار" ولوحة "مشموم الوالدة" لحنان أبو موزة.
تعرف الساحة المحلّية توجُّه مزاحم الناصري منذ بضع سنوات لرسم لوحات يتناقض فيها ملمحان على سطح واحد، والتناقض يجيء على لسان الفنّان الذي يضع الورود والأزهار الجافّة المهملة في أوانٍ باذخة، كحال اللوحة المشاركة في المعرض بوردها المجعّد على سلّة ذهب. غير أنّ للمتلقّي رأياً وزاوية نظر ودلالة تخرج من عنده بعد انتهاء الرسّام من عمله الذي لم يعُد من حقّه فقط. بعض المشاهدين كانوا يرون العلاقة بين المهمل والباذخ الثمين علاقة تكاملية أساسها الأرض الواحدة بين ورد وزهر وكريستال وذهب.
اللوحة التي يشارك بها أحمد نوح هي بعضٌ من مشروعه الذي تَمثّل عام 2020 في معرضه "عتبات الحلم"، وثيمتها الأسماك وما تحمله في ثقافات أهل البحر من أساطير ورمزيات.
وفي منتصف زحمة اللوحات والمنحوتات في قاعة "الجمعية القطرية للفنون التشكيلية"، تحظى لوحة نور الهادي بحضور قويّ. فهي، فضلاً عن ثراء ألوانها القادم من الأزياء النسائية السودانية، بسيطةٌ بساطةً واثقة تجذب قارئ الفنّ المتعمّق وتنال صفة "الشعبية" أيضاً. بعنوان "اللُّحمة"، يرسم الهادي تفاصيل المكان في مربّعات صغيرة، بينما يجعل المشهد كلّه ــ على حدّ تعبيره ــ من "مسؤولية المرأة"، حتى لو حضر الرجال أمام العين.