سارت تجربةُ الشاعر والكاتب الألباني بسنيك مصطفاي Besnik Mustafaj، الذي مرّت أول من أمس ذكرى ميلاده الخامسة والستّون (من مواليد 1958)، ضمن مسارَين متقاطعَين: السياسة والأدب؛ فعلى الصعيد السياسي، وبعد تجارب في التعليم والصحافة والترجمة، أصبح مصطفاي عام 1991 عضواً في أول برلمان ديمقراطي في ألبانيا (الذي تمخّض عن حراك ديمقراطي ضدّ النظام الشمولي في عام 1990، والذي كان من أوائل المنضمّين إليه) عن "الحزب الديمقراطي" الذي كان من مؤسِّسيه.
حينها، عُرض عليه منصب وزير الثقافة لكنّه رفضه. وفي 1992، عُرض عليه منصب وزير الخارجية، وهو ما رفضه أيضاً، لكنّه قبِل منصب سفيرٍ في فرنسا في السنة نفسها، وهو المنصب الذي استمرّ فيه حتى عام 1997. وخلال تلك الفترة، نجح في توقيع معاهدة صداقة بين البلدَين؛ وهي أوّل معاهدة صداقة بين ألبانيا وبلد غربيّ منذ اتفاقيات تيرانا في الثلاثينيات.
وفي عام 1997، استقال بعد وصول "الحزب الاشتراكي" إلى السلطة، وعاد إلى ألبانيا حيث تولّى منصب مدير العلاقات الخارجية في "الحزب الديمقراطي"، قبل أن يُصبح وزيراً للخارجية عام 2005، محققاً إنجازات متلاحقة لبلده وللشعب الألباني، ثمّ ليستقيل من المنصب ومن الحزب بعد سنتَين من ذلك وهو في أوج نجاحه، وفي بلد قلّما يغادر أحد فيه المنصب السياسي بطوعه.
تُرجمت له روايتان إلى اللغة العربية في السنوات الأخيرة
مسيرة مصطفاي الأدبية بدأت قبل أربعة عقود ونصف مع إصدار أوّل كُتبه عام 1978؛ وهو مجموعةٌ شعرية حملت عنوان "موتيفات فرحة"، ثم صدرت له مجموعات شعرية وروايات عديدة؛ من بينها "قصّة صغيرة" (1995)، و"حلم الدكتور" (2017).
كتب بسنيك مصطفاي أعماله بلغته الأُمّ، وعن ذلك يقول في لقاء سابق مع "العربي الجديد": "لا أكتب إلّا باللغة الألبانية. لا أحبّ أن أكتب مُستخدماً الكلمات التي أعرفها، بل الكلمات التي أنا في حاجة إليها. ولا يوجد إلّا اللغة الأُمّ تعطينا هذه الحرية في التعبير". ومن الألبانية وصلت تلك الأعمال إلى لغات عديدة كالفرنسية التي ترجمت إليها معظم أعماله والإيطالية والألمانية واليونانية وغيرها.
وفي السنوات الأخيرة، تُرجمت روايتان منها إلى العربية: "ملحمة صغيرة عن السجن" التي صدرت في 2020 عن "الآن ناشرون وموزّعون" بترجمة إبراهيم فضل الله، و"طبل من ورق"، التي صدرت في 2022 عن "دار الحوار" بترجمة عدنان محمد. تتناول الأولى الآثار النفسية والاجتماعية العميقة التي يسبّبها السجن للسجين وللسجّان ولعائلتيهما، من خلال قصص لثلاثة أجيال، وبتعبير الروائي السوري سومر شحادة فإن مصطفاي "ينقل فيها تساؤلاتِ السجن بين جدران القلعة، إلى سجونٍ شتّى... أمّا العتمة القاسية في السجن، فتستمدُ ظلمتها من امتدادها إلى الأفكار، وتحطيمها للفرد من الداخل". أمّا "طبل من ورق"، فتتألّف من مجموعة قصصٍ تُشكّل، مجتمعةً، روايةً يشرّح فيها مصطفاي زمن دكتاتورية أنور خوجا في ألبانيا.
اللافت في تجربة الكاتب الألباني - الذي يعد الآن في طليعة الأسماء الألبانية التي يعرفها العالم - أنه بخلاف مواطنه إسماعيل كاداريه، يحمل مواقف إيجابية من هويته الإسلامية ومن القضايا العربية وقضية فلسطين، مع موقف ندّي متوازن من الغرب يحسب له، ولا سيما عندما نستذكر المواقف المخزية لإسماعيل كاداريه.
آخر أعمال مصطفاي روايةٌ بعنوان "المصير المجنون" (Fati i Marrë)، والتي تصدر هذه الأيّام عن دار النشر الألبانية "أونوفري" (التي هي أيضاً الناشر الحصري لمؤلَّفات كاداريه)؛ وهي الرواية التي تُطلقها الدار في حفلٍ تقيمه في فندق "تيرانا إنترناشونال" بالعاصمة الألبانية عند السادسة من مساء اليوم الاثنين، لمناسبة ذكرى ميلاده الخامسة والستين.
يُذكر أن بسنيك مصطفاي سيكون ضيف الدورة القادمة من "معرض القاهرة الدولي للكتاب"، حيث سيوقع ثالث رواياته التي ستصدر ترجمتها العربية قريباً.