في السيرة التي نشرها عام 2006 حول بول سيزان، ("سيزان"، منشورات "فوليو")، رسم الباحث والناقد برنار فوكونييه صورةً للتشكيلي الفرنسي الشهير (1839 ــ 1906) لم تعد غريبةً عليه اليوم، باعتبارها تتقاطع مع ما يمكن استخلاصه من مراسلاته ومن مجمل مَن كتبوا عنه ممّن عايشوه: رجلٌ يعتزل بنفسه بعيداً عن المجتمع؛ يتجنّب عرض أعماله إلّا على القلّة القليلة ويُبدي حذراً من تحوّلها إلى فرجةٍ للرائح والغادي، أو إلى موضوعٍ للنقاش.
وإذا كان الرسّام الفرنسي قد شهد، في سنوات عمره الأخيرة، تحوّل لوحاته فعلاً إلى موضوع للمديح في الصحف، فإنه لم يرَها، بالتأكيد، وهي تغطّي جدراناً وصالاتٍ كاملةً. اليوم، مع المعرض الذي يقترحه "مشغل الأنوار" (أتولييه دي لوميير) في باريس، بات من الممكن رؤية هذه الأعمال وهي تغطّي حرفياً الجدران، لا من خلال تعليقها عليها، بل عبر عرضها على شاشات جدارية عملاقة، في معرض رقميّ افتُتح منتصف الشهر الماضي ويستمرّ حتى مطلع 2023.
بعد فنسنت فان غوخ وكلود مونيه، جاء الدور إذاً على سيزان ليكون واحداً من رموز الحداثة الفنّية الذين تجري استعادة أعمالهم في عروض رقمية؛ عروض تقترح تجاوز تجربة المشاهدة التقليدية ــ المتمثّلة بالوقوف وجهاً لوجه أمام اللوحة ــ إلى "الانغماس" أو "الانغمار" في عالم الفنان، عبر الجلوس في صالة تُعرض على جدرانها وسقفها وأرضيّتها واحدة من لوحاته أو أكثر.
يحمل المعرض عنوان "سيزان، أنوار البروفنس"، في إشارة إلى الإقليم الذي وُلد ورحل فيه الفنانُ جنوبَ فرنسا، وترك عدداً كبيراً من الأعمال التي تصوّر مشاهدَ ومعالم طبيعية وحضرية فيه. يشمل المعرض جُلّ هذه الأعمال، ولا سيّما تلك السلسلة من اللوحات التي يصوّر فيها جوانب من جبل سانت فيكتوار، أو مدينة ليستاك التي عاش فيها. كما يقترح المعرض عدداً من أشهر لوحاته، وفي مقدّمتها "لاعبا الورق".
يضيء المعرض على التأثير الكبير لطبيعة إقليم بروفنس ولضوئه المتوسّطي في تجربة سيزان وفي اختياراته اللونية التي ستجعل منه واحداً من أشهر الملوّنين في تاريخ التشكيل الفرنسي. وإلى جانب الصالات التي تقدّم لوحاته، يخصّص المنظّمون صالةً تُعرض على جدرانها وأرضيّتها اسكتشات ذاتية للفنان وإلى جانب مقاطع مختارة من مراسلاته ومن سيرته الذاتية.