هل قلبي ماركسيّ قوطيّ يرى ما لا يُرى فوق زبد السطح؟ يرى كما يرى الشعراء غير الزمنيين؟ مذ جاء أوروبا، جنوباً، في صيف عام 2012 ــ في ظلّ الأزمة المالية الكبرى التي اندلعت في عام 2007، والكساد الاقتصادي الذي استمرّ ولمّا يزل العالم يعاني من عواقبه حتى اليوم ــ وهو يحاول تفكيك أساطير وخزعبلات فكرة السوق الحرّة، فلا يجد لهذا المفهوم المركزي في حياة الغرب إلّا معنى وحيداً: السوق المتوحّشة، وحوش السوق، ديكتاتورية الاقتصاد... إلخ.
ماذا تعني "إلخ" و"شيء من هذا القبيل"؟ هل يمكن نشر كلماتنا بالإسبانية بواسطة ترجمات جيدة؟ هل تفتح الترجمات أفقاً أو تُلقي نظرة رائعة على ثقافة الضفّة الجنوبية والشرقية من المتوسّط؟ تفضح وحوش الرأسمالية والأشكال "الشبحية" المختلفة التي تتّخذها، من ظهورها في إنكلترا ثم انتقالها دون تأخير كبير إلى فرنسا وفلاندرز ــ كمناطق ثلاث مؤسِّسة لها بالتزامن تقريباً ــ إلى توسّعها الاستعماري في أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية، أو تفقيسها الوجع العالمي المعاصر؟
وكلّ هذا قد يتمّ من خلال مَراجع وفيرة للأدب والثقافة الشعبية وعذابات مظلومي الأرض والمعذّبين بقوتِها الشحيح. تُرى، هل تستكشف الماركسية القوطية للمرء، كما يزعم، القوى الخفيّة التي يهيمن بها رأس المال على الحياة الاجتماعية، بالإضافة إلى التخيّلات التي حشدها الزومبي ومصّاصو الدماء لاكتشافهم أين سرّ الربح وفائض القيمة وتراكم الحساب البنكي؟ وبهذه الطريقة، فإنه يقدّم صورةً خاماً ــ ولكن محفّزة ــ للروابط بين الثقافة والاقتصاد في السوق العالمية اليوم، وكذلك لوحوش السوق، ذئاب الأوليغارش والكمبرادور في منطقة الشرق الأوسط العربانية الشقيّة، التي في عمرها كلّها، منذ نحو ألوف سنين، لم تحصل على جائزة أن تعيش كما يجب، غير بعض الجوائز التذكارية المرموقة لبعض أدبائها.
ولمَ في عام 2012 كفّ المرء عن كتابة المقال السياسي، وركّز جهوده لتأمّل الجمال الكتالوني والغربي عموماً (فبرشلونة مدينة العالم، بحُكم كثافة السائحين فيها؟) لعلّ هذا يتمخّض عن شعر وتمحيص نقدي؛ أن لا يكفّ عن العمل الماركسي الأكثر ابتكارًا ــ وهو، والله، عملٌ مكثّف ومروّع ــ ما يساعد أيضاً في التأكيد على أهمّية الأدب والخيال في التعليم والنقد السياسي.
* شاعر فلسطيني مقيم في بلجيكا