يُلخّص كتاب "جدّتي وأمي وأنا: مُذكّرات ثلاثة أجيال من النساء العربيات"، للكاتبة الفلسطينية جين سعيد المقدسي (1940)، الصادرة ترجمتُه حديثاً عن "المركز القومي للترجمة" بتوقيع هالة كمال، أزمنةً وقضايا عديدة لا تتعلّق بتراث عائلي فقط، بقدر ما يكشف مُجرياتٍ سياسيّة عامة من العالَم العربي عموماً.
تنطلق الكاتبة من سردية شخصية تستكشف عبرها الوقائع، كما ترصد تجارب ثلاثة أجيال من النساء اللاتي شهدن أحداثاً غير عادية، بداية من نهاية القرن التاسع عشر وحتى يومنا هذا، وتعرج خلال سردها على جغرافيا ومدن عربية من حمص والناصرة إلى بيروت والقاهرة.
بطلات هذا الكتاب عايشن أحداثاً تاريخية جسيمة، بدءاً من الفترة الأخيرة للحُكم العثماني، مطلع القرن العشرين، ومن ثم نكبة فلسطين عام 1948، وما تلاها من حروب طاولت بلداناً عربية أُخرى مثل حرب السويس عام 1956، والحرب الأهلية في لبنان بين 1975 و1990.
تتتبّع سعيد في عملها هذا تاريخ ثلاثة أجيال من النساء، هُنّ: الجدّة منيرة موسى بدر، التي وُلدت في مدينة حمص، وسط سورية، وتنقّلت بعدها بين بيروت والقاهرة، والأمّ هيلدا موسى سعيد، التي وُلدت في مدينة الناصرة وعاشت في بيروت والقاهرة، والحفيدة التي وُلدت في القدس وعاشت ما بين القاهرة والولايات المتحدة الأميركية وبيروت حيث استقرّت فيها منذ سبعينيات القرن الماضي.
تتقاطع في هذه المذكّرات أدواتٌ سردية مُختلفة تُراوح بين الدراسات الأدبية والتاريخية، كما تعتمد بشكل كبير على التاريخ الشفاهي، بما هو مصدرٌ يُحيل إلى تجربة السارد الشخصية، بعيداً عن الخطاطات الرسمية. ولمّا كان لأفراد هذه العائلة نشاطٌ سياسي مباشر، فإننا نجد، أيضاً، حضوراً قويّاً للعلوم السياسية والاجتماعية في الكتاب، وتحليلات من منظور اجتماعي يقترب من الإثنوغرافيا الذاتية.
يُشار إلى أن سعيد هي شقيقة المفكّر الفلسطيني إدوارد سعيد، ومن مؤلّفاتها "شتات بيروت: مذكّرات حرب 1975 - 1990" (2009)، تروي فيه تجربتها خلال الحرب الأهلية اللبنانية، كما حرّرت كتاب "سيرين حُسيني شهيد: ذكريات من القدس"، الذي نقله إلى العربية محمد برادة.