أخيراً، بعد سنة ونصف، خرجنا من المخيم، إلى "بيت سوسيال". أكبر التغييرات لم تأتِ بعد. إذا كان أيّ شخص يعتقد أنّ التأثيرات ستتلاشى خلال عام أو عامين قادمين، فهو مخطئ. ندبات المخيّم ستظل ترافقنا إلى سنوات قادمة، حتى لو أعطونا الإقامة، حتى لو درسنا وعملنا، وعشنا حياة أقرب إلى أن تكون طبيعية. حتى لو!
حياتنا في المخيم، كانت نقيض الحياة الطبيعية في البيت. حياة بالضدّ من كلّ شيء. حياة سجناء في سجن جماعي كبير. وميراث السجن، لا يزول بمغادرتك له فوراً. ستظلّ تأثيراته تعترينا، إلى أجل لا يعلمه أحد. ميراث من أزمات واكتئاب وبري أعصاب. ميراث من التفاصيل الصغيرة، التي أوقعتنا في السُّقوط بشكل جذري.
وتظهر قراءة تاريخ مَن عاشوا، قبلنا، بقرون أو عقود، في سجن أو مخيّم، أنّ غير أزمة مثل الأزمة الحالية، تظلّ ترافق المخيّميَّ أو السجين، ولا تزول إلّا بعد وقت قد يطول.
لقد حدثت بالفعل تغييرات هيكلية في قيعان النفس، حول معنى الحياة ودورنا فيها، حول مكانة وقيمة أنفسنا أمام مرآتها. لقد كانت الحياة خلف أسوار المخيم، ضربة لها تداعياتها. وبعد المخيم، سيكون تصوّرنا للعالم مختلفاً، لدرجة أنّه سيخلق لغة مختلفة تماماً.
ماذا لو كان المتحدّث نهراً وجفّ؟ إلهي! هبنا نعمة نسيان هذه المرحلة من حياتنا. ويسِّر اللهمّ وأعِنْ!
* شاعر فلسطيني مقيم في بلجيكا